فإن التطفيف البخس في الكيل والوزن والنقص والخيانة فيهما بأن لا يعطي المشتري حقه تاماً كاملاً وذلك لأن ما يبخس شيء طفيف حقير على وجه الخفية مني جهة دباءة الكيال والوزان وخساستهما إذ الكثير يظهر فيمنع منه ولذا سمى مطففاً.
قال الراغب : يقال طفف الكيل قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه وقال سعدي المفتي والظاهر إن بناء التفعيل للتكثير لأن البخس لما كان من عادتهم كانوا يكثرون التطفيف ويجوز أن يكن للتعدية انتهى.
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة وكان أهلها من أبخس الناس كيلاً فنزلت فخرج فقرأها عليهم وقال خمس بخمس ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشافيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النيات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر فعملوا بموجبها وأحسنوا الكيل فهم أو في الناس كيلاً إلى اليوم وعن علي رضي الله عنه، إنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت كأنه أمره أولاً بالتسوية ليعتادها ويفصل الواجب من النفل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الأعاجم لأنهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرقين
٣٦٣
في الحرمين كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون وعن عكرمة أشهد أن كل كيال ووزان في النار فقيل لو أن ابنك كيال أو وزان.
فقال : أشهد أن في النار وعن الفضيل بخس لميزان سواد الوجه يوم القيامة وعن ملك بن دينار أنه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من نار بين يدي أكلف الصعود عليهما فسألت أهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال : ما يزداد الأمر على إلا عظماً ودر فصول سبعين آورده هركه دركيل ووزن خيانت كند فردا اورا بقعر دوزخ در آورده ميان دوكوه ازآتش بنشانند وكويند كلهما وزنهما آبرا ميسنجد وميسوزد.
توكم دهى وبيش ستاني بكيل ووزن
روزى بودكه ازكم وبيشت خبر كنند
﴿الَّذِينَ﴾ الخ صفة كاشفة للمطففين شارحة لكيفية تطفيفهم الذي استحقوا به الذم والدعاء بالويل ﴿إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ﴾ أي من الناس مكيلهم بحكم الشراء ونحوه والاكتيال الأخذ بالكيل كالاتزان الأخذ بالميزان ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ الاستيفاء عبار عن الأخذ الوافي أي يأخذونه وافياً وافراً وتبديل كلمة من بعلى لتضمين الاكتيال معنى الاستيلاء أو للإشارة إلى أنه اكتيال مضربهم لكن لا على اعتبار الضرر في حيز الشرط الذي تتضمنه كلمة إذا لا خلاله بالمعنى بل في نفس الأمر بموجب الجوار فإن المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافياً من غير نقظص بل مجرد الأخذ الوافي الوافر حسبما أرادوا بأي وجه يتيسر من وجوه الحيل وكانوا يفعلونه بكبس الكيل وتحريك المكيال والاحتيال في ملئه فيسرقون من أفواه المكاييل وألسنة الموازين ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ﴾ الكيل بيمودن به يمانه تا مقدار مكيل معلوم كردد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
والوزن والزنة سنجيدن تا مقدار موزون معلوم شود.
أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم المبيع ونحوه بالفارسية، وون مى يمايند براي ناس ويامى سنجند حقوق ايشانرا.
فحذف الجار وأوصل الفعل كما قال في تاج المصادر وزنت فلا نادرهما ووزنت لفلان بمعنى والأصل اللام ثم حذفت فوصل الفعل ومنه الآية انتهى.
فلفظ هم منصوب المحل على المفعولية لا مرفوعة على التأكيد للواو لأن واو الجمع إذا اتصل به ضمير المفعول لا يكتب بعده الألف كما في نصروك ومنه الآية إذ لم يكتب الألف في المصحف وإذا وقع في الطرف بأن يكون الضمير مرفوعاً واقعاً للتأكيد فحينئذٍ يكتب بعده الألف لأن المؤكد ليس كالجزء مما قبله بخلاف المفعول وإما نحو شاربوا الماء فالأكثر على حذف الألف لقلة الاتصال واو الجمع بالاسم هذا فإن قلت خط المصحف خارج عن القياس قلت الأصل في أمثاله إثباته في المصحف فلا يعدل عنه ﴿يُخْسِرُونَ﴾ أي ينقصون حقوقهم مع إن وضع الكيل والوزن إنما هو للتسوية والتعديل يقال خسر الميزان وأخسره يعني كم كردومى كاست.
ولعل ذكر الكيل والوزن في صورة الإخسار والاقتصار على الاكتيال في صورة الاستيفاء بأن لم يقل إذا كتالوا على الناس أو تزنوا لما أنهم لم يكونوا متمكنين
٣٦٤


الصفحة التالية
Icon