من بين سائر الصفات إشعار بالمالكية والتربية فلا يمتنع عليه الظالم القوي لكونه مملوكاً مسخراً في قبضة قدرته ولا يترك حتى المظلوم الضعيف لأن مقتضى التربية إن لا يضيع لأحد شيئاً من الحقوق وفي هذه التشديدات إشارة إلى أن التطفيف وإن كان يتعلق بشيء حقير لكنه ذنب كبير قبل كل من نقص حق الله من زكاة وصلاة وصوم فهو داخل تحتى هذا الوعيد وعن ابن عمر رضي الله عنهما، إنه قرأ هذه السورة فلما بلغ إلى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين، بكى يحييا أي يرفع الصوت وامتنع من قراءة ما بعد من غلبة البكاء وملاحظة الحساب والجزاء وقال أعرابي لعبد لملك بن مروان إنك قد سمعت ما قال تعالى في المطففين وأراد بذلك إن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم في ذ القليل فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ووزن ﴿كَلا﴾ ردع عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحاب فيحسن الوقف عليه وإن كان بمعنى حقالاً فلا لكونه حينئذٍ متصلاً بما بعده ﴿إِنَّ كِتَـابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ﴾ تعليل للردع والكتاب مصدر بمعنى المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس أو على حاله بمعنى الكتابة واللام للتأكيد وسجين علم الكتاب جامع هو ديوان الشر دون أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الثقلين منقول من وصف كحاتم وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف وأصله فعيل من السجن مبالغة الساجن أو لأنه مطروح كما قيل تحت الأرض السابعة في مكان مظلم وحش وهو مسكن إبليس وذريته إذلالالهم وتحقيراً لشأنهم وتشهده الشياطين المدحورون كما إن كتاب الأبرار يشهده المقربون فالسجين مبالغة المسجون والمعنى إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون أي ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم لفي ذلك الكتاب المدون فيه قبائح أعمال المذكورين.
وفي التأويلات النجمية : أي كتاب استعدادهم الفطري مكتوب في ديوان سجين طبيعتهم المجبولة على الفسق والفجور بقلم اليد اليسرى على ورق صفحة جبينهم كما قال عليه السلام :"السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه" ﴿وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ تهويل لأمره أي هو بحيث لا يبلغه دراية أحد ﴿كِتَـابٌ مَّرْقُومٌ﴾ قال الراغب : الرقم الخط الغليظ وقيل : هو تعجم الكتاب وقوله كتاب مرقوم حمل على الوجهين انتهى.
أي هو مسطور بين الكتابة بحيث كل من نظر إليه يطلع على ما فيه بلا دفة نظر وإمعان توجه أو معلم يعلم من رآه إنه لا خير فيه لأهايه أي ذلك الكتاب مشتمل على علامة دالة على شقاوة صاحبه وكونه من أصحاب النار وكونه علامة الشر يستفاد من المقام لأنه مقام التهويل وقال القفال قوله كتاب مرقوم ليس تفسيراً لسجين بل هو خبر لأن والمعنى إن كتاب الفجار لفي سجين وإنه كتاب مرقوم وقوله وما أدراك ما سجين وقع معترضاً بين الخبرين.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
وقال القاشاني : إن كتاب الفجار أي ما كتب من أعمال المرتكبين للرذائل الذين فجروا بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل لفي سجين في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطوهم كالسلاحف والحيات والعقارب آلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة ودركاتها وهو ديوان أعمال أهل
٣٦٦