الشر ولذلك فسر بقوله كتاب مرقوم أي ذلك المحل المكتوب فيه أعمالهم كتاب مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم ﴿وَيْلٌ﴾ عظيم ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ أي يوم يقوم الناس لرب العالمين فهو متصل به وما بينهما اعتراض وقال بعضهم : أي يوم إذ أعطى ذلك الكتاب ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ وقال الكاشفي : ويل كلمه ايست جامع همه بديها يعني عذاب وعقاب وشدت ومحنت دران روزمر مكذبان راست ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ صفة ذامة للمكذبين كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث لأن تكذيبهم بيوم الدين علم من قوله ألا يظن أولئك.
الخ.
قال بعض أهل الإشارة المكذبون بالحق وآياته هم أرباب النفوس الذين أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الحق ودينه الذي هو دين الإسلام وكل يجازي بحسب دينه فمن لا دين له فجزاؤه سوء الجزاء والويل العظيم ومن له دين فجزاؤه حسن الجاء ورؤية الوجه الكريم فعليك بالتصديق ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِه إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ﴾ متجاوز عن حدود النظر والاعتبار قال في التقليد حتى استقصر قدرة الله على الإعادة مع مشاهدته للبدء كالوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث ونحوهما ﴿أَثِيمٍ﴾ كثير الإثم أي منهمك في الشهوات الناقصة الفانية بحيث شغلته عما وراءها من اللذات التامة الباقية وحملته على إنكارها فالاعتداء دل على إهمال القوة النظرية التي كما لها إن يعرف الإنسان وحدة الصانع واتصافه بصفات الكمال مثل العلم والإرادة والقدرة ونحوها والإثم دل عل إهمال القوة العملية التيك مالها أن يعرف الإنسان الخير لأجل العمل به ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا﴾ الناطقة بذلك ﴿قُلْ﴾ من فرط جهله وإعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه ﴿أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ﴾ أي هي حكايات الأولين وأخبارهم الباطلة قال في "فتح الرحمن" هي الحكايات التي سطرت قديماً وهي جمع أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر وهي الحديث الذي لا نظام له
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
﴿كَلا﴾ ردع للمعتدى عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه ويجوز أن يكون ردعاً عن مجموع التكذيب والقول ﴿بَلْا رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قرأ حفص عن عاصم بل بإظهار اللام مع سكتة عليها خفيفة بدون القطع ويبتدىء ران وقرأ الباقون بإدغام اللام في الراء ومنهم حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر عن عاصم يميلون فتحة الراء.
قال بعض المفسرين هرب حفص من اجتماع ثقلتي الراء المفخمة والإدغام انتهى.
ويرد عليه قل رب فإنه لا سكتة فيه بل هو بإدغام أحد المتقاربين في الآخر فالوجه إنه إنما سكت حفص على لام بل ران وكذا على نون من راق خوف اشتباهه بتثنية البر ومبالغة ما رق حيث يصير بران ومراق وما موصوله والعائد محذوف ومحلها الرفع على الفاعلية والمعنى ليس في آياتنا ما يصح إن يقال في شأنها مثل هذه المقالات الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما كانوا يكسبونه من الكفر والمعاصي حتى صارت كالصدأ في المرءآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق كما قال عليه السلام إن العبد كلما أذنب ذنباً حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه ولذلك قالوا ما قالوا والرين صدأ يعلو الشيء الجلي والطبع والدنس وران ذنبه على قلبه رينا وريونا غلب وكل ما غلبك رانك وبك وعليك كما في "القاموس" وران فيه النوم رسخ فيه وفي "التعريفات" الران هو الحجاب الحاثل بين
٣٦٧
القلب وعالم القدس باستيلاء الهيئات النفسانية ورسوخ الظلمانية الجسمانية فيه بحيث يتحجب عن أنوار الربوبية بالكلية والغين بالمعجمة دون الرين وهو الصدأ فإن الصدأ حجاب رقيق يزول بالتصفية ونور التجلي لبقاء الإيمان معه والرين هو الحجاب الكشيف الحائل بين القلب والإيمان ولهذا قالوا الغين هو الاحتجاب عن الشهود مع صحة الاعتقاد والطبع يطبع على القلب والإقفال أن يقفل عليه قيل الإقفال أشد من الطبع كما أن الطبع أشد من الرين.