﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ إعرابه كأعراب إذا السماء انفطرت أي انفتحت بغمام أبيض يخرج منها كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام والباء للآلة كما في قولك انشقت الأرض بالنبات وفيذلك الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال أو فيه ملائكة العذاب وكان ذلك أشد وأفظع من حيث إنه جاءه العذاب من موضع الخير فيكون انشقاق السماء لنزول الملائكة بالأومر الإلهية وقيل للسقوط والانتقاض وقيل لهول القيامة وكيف لا تنشق وهي في قبضة قهره أقل من خردلة ولا منع من جميع هذه الأقوال فإنها تنشق لهبة الله فتنزل الملائكة ثم يؤول أمرها إلى الفساد والاختلال وعن علي رضي الله عنه تنشق من المجرة وهي بفتح الميم باب الماء أي البياض المستطيل في وسط السماء سميت بذلك لأنها كأثر المجر ويقال لها بالفارسية راه حاجيان وكهكشان.
تنشق السماء من ذلك الموضع كأنه مفصل ملتئم فتصدع منه ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ واستمتعت أي انقادت وأذغنت لتأثير قدرته تعالى حين تعلقت قدرته وإرادته بانشقاقها انقياد المأمور المطواع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع فهو استعارة تمثيلية متفرعة على المجاز المرسل يعني إذا أطلق الأذن وهو الاستماع في حق من له حاسة السمع والاستماع بها يراد بها الإجابة والانقياد مجازاً وإذا أطلق في حق نحو السماء مما ليس في شأنه الاستماع والقبول يكون استعارة تمثيلية فقوله أتينا طائعين يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً وقوله وأذنت لربها يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام من غير ممانعة أصلاً والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليها للإشعار بعلة الحكم وهذا الانقياد عند أرباب الحقئاق محمول على أن لها حياة وإدراكاً كسائر الحيوانات إذ ما من شيء إلا وله نصيب من تجلى الاسم احي وقد سبق مراراً ﴿وَحُقَّتْ﴾ من قولهم هو محقوق بكذا وحقيق به أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد إذ هي مربوبة ومصنوعة له تعالى أي شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة القاهرة الربانية التي يتأتى بها كل مقدور ولا يتخلف عنها أمر من الأمور وبالفارسية وخود آنرا نين سزد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٥
فحق الجملة أن تكون اعتراضاً مقررة لما قبلها لا معطوفة عليه ﴿وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ﴾ أي بسطت بلإالة جبالها وآكامها عن مقارها وتسويتها بحيث صارت كالصحيفة الملساء أو زيدت سعة وبسطة من أحد وعشرين جزأ إلى تسعة وتسعين جزأ لوقوف الخلائق عليها للحساب والألم تسعهم من مده بمعنى أمده أي زاده وفي الحديث إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلام وضع قدميه يعني لكثرة الخلائق فيها قوله مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه يعني لكثرة الخلائق فيها قوله مد الأديم لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى وفي بعض الروايات مد الأديم العكاظي قال في "القاموس" هو كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقدم هلاك ذي القعدة وتستمر عشرين يوماً تجتمع قبائل العرب فيتعا كظون أي يتفاخرون ويتناشدون ومنه الأديم العكاظي
٣٧٥
انتهى ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ أي رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز إلى ظاهرها كقوله تعالى :[الزلزلة : ٢-٤]﴿وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا﴾ وهو من الإسناد المجازي وإلا فالإلقاء والإخراج تعالى حقيقة فإن قلت إخراج الكنوز يكون وقت خروج الدجال لا يوم القيامة قلت يوم القيامة وقت متسع يجوز اعتباره من وقت خروجه ولو مجاز مجازاً لأنه الانه من أشراطه الكبرى فيكون إخراج الكنوز عند قرب الساعة وإخراج الموتى عند البعث وتخلت} وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لم يبق فيها شيء منه كأنها تكلفت في ذلك أقصى جهدها كما يقال تكرم الكريم وترحم الرحيم إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة وتكلفا فوق ما في طبعهما ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ وانقادت له في الإلقاء والتخلي ﴿وَحُقَّتْ﴾ أي وهي حقيقة بذلك أي شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة الربانية ذكره مرتين لأن الأول متصل بالسماء والثاني بالأرض وإذا اتصل كل واحد بغير ما اتصل به الآخر لم يكن تكراراً وجواب إذا محذوف أي إذا وقعت هذه الأمور كان نم الأهوال ما تقصر عن بيانه العبارة وفي "تفسير الكاشفي" جواب إذا آنست كه به بيند إنسان ثواب وعقاب را.
وفيه إشارة إلى انشقاق سماء الروح الحيوانية بانفراجها عن الروح الإنساني وزوالها وبسط أرض البدن بنزع الروح عنها وإلقاء ما فيها من الروح والقوى وتخليها عن كل ما فيها من الآثار والإعراض بالحياة والمزاج والتركيب والشكل بتبعية خلوها عن الروح.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٥


الصفحة التالية
Icon