وفي التأويلات النجمية : يشير إلى انشقاق سماء الروح عن ظلمة غيم النفس الأمارة وانقيادها لفيض ربها بتهيئة الاستعداد بما يتصرف فيها من غير أباء وامتنع وإلى بسط أرض النفوس البشرية لأربابها وتخليها عن أحكام البشرية يا اأَيُّهَا الانسَـانُ} جنس الإنسان الشامل للمؤمن والكافر والعاصي فالخطاب عام لكل مكلف على سبيل البدل يقال هذا أبلغ من العموم لأنه يقوم مقام التنصيص في النداء على مخاطبة كل واحد بعينه كأنه قيل يا فلان ويا فلان إلى غير ذلك ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه بحيث يؤثر فيها والجهد بالفتح بمعنى المشقة والتعب ولكد السعي الشديد في العمل وطلب الكسب من كدح جلده إذا خدشه والمعنى إنك جاهد ومجد أي ساع باجتهاد ومشقة إلى لقاء ربك أي إلى وقت لقائه وهو الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء مبالغ في ذلك وفي الخبر إنهم قالوا يا رسول الله فيم نكدح وقد جفت الأقلام ومضت المقادير فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ﴿فَمُلَـاقِيهِ﴾ فملاق له أي لجزاء عملك من خير وشر عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يلويك عنه ولا مفر لك منه ويقال إنك عامل لربك عملاً فملاق عملك يوم القيامة يعني إن جدك وسعيك إلى مباشرة الأعمال في الدنيا هو في الحقيقة سعى إلى لقاء جزائها في العقبى فملاق ذلك الجزاء لا محالة فعليك أن تباشر في الدنيا بما ينجيك في العقبى واحذر عما يهلكك فيها ويوقعك في الخجالة والافتضاح من سوء المعاملة وفي الحديث النادم ينتظرالرحمة والمعجب ينتظر المقت وكل عامل سيقدم إلى ما أسلف.
وقال القاشاني : إنك اع بالموت أي تسير مع أنفاسك سريعاً كما قيل أنفاسك خطاك فملاقيه ضرورة فالضمير للرب.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى الإنسان
٣٧٦
المخلوق على صورة ربه وكدحه واجتهاده في التحقق بالأسماء الآلهية والصفات اللاهوتية فهو ملاقي ما يكدح ويجتهد حسب استعداده الفطري ﴿فَأَمَّا مَنْ﴾ وهو المؤمن السعيد ومن موصولة وهو تفصيل لما أجمل فيما قبله ﴿أُوتِىَ﴾ أي يؤتى ولماضي لتحققه ﴿كِتَـابَهُ﴾ المكتوب فيه إعماله التي كدح في كسبها ﴿بِيَمِينِهِ﴾ لكون كدحه بالسعي فيما يكتبه كاتب اليمين والحكمة في الكتاب إن المكلف إذا أعلم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الإشهاد كان ازجر عن المعاصي وإن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم احتشامه من خدمه المطلعين عليه ﴿فَسَوْفَ﴾ س زود بودكه ﴿يُحَاسَبُ﴾ يوم القيامة بعد مدة مقدرة على ما تقتضيه الحكمة ﴿حِسَابًا يَسِيرًا﴾ سهلاً لا مناقشة فيه ولا اعتراض بما يسوؤه ويشق عليه كما يناقش أصحابا لشمال والحساب بمعنى المحاسبة وهو بالفارسية باكسى شمار كردن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٥
والمراد عد أعمال العباد وإظهارها للمجازاة وعن الصديق رضي الله عنها هو أي الحساب اليسير أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه يعني أن يعرض عليه أعماله ويعرف إن الطاعة منها هذه والمعصية هذه ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية فهذا هو الحساب اليسير لأنه لا شدة على صاحبه ولا مناقشة ولا يقال له لم فعلت هذا ولاي طالب بالعذر ولا بالحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذراً ولا حجة فيفتضح.
برادر زكار بدان شرم دار
كه در روى نيكان شوى شر مسار
بجاي كه دهشت خورد انييا
تو عذر كنه راه داري بيا
ولذا قال عليه السلام عرض الجيش أعني عرض الأعمال لأنها زيأهل الموقف والله الملك فيعرفون بسيماهم كما يعرف الإجناد هنا بزيهم قالوا إن عصاة المؤمنين داخلة في هذا القسم فقوله فسوف يحاسب حساباً يسيراً من وصف الكل بوصف البعض أي فالعصاة وإن لم يكن لهم حساب يسير بالنسبة إلى المطيعين لكن حسابهم كالعرض بالنسبة إلى مناقشة أصحاب الشمال فأصحاباليمين شاملة لهم وقد يقال كتاب عصاة المؤمنين يعطي عند خروجهم عن النار وقيل يجوز أن يعطوا من الشمال لا من وراء ظهورهم وفيه إن الإعطاء من الشمال ومن وراء الظهر أم واحد وقيل لم تتعرض الآية للعصاة الذين يدخلهم الله النار وهو الظاهر وقوله عليه السلام، في بعض صلاته اللهم حاسبني حساباً يسيراً وإن دل على أن للأنبياء كتاباً لكن الظاهر إرشاد الأمة وتعليمهم وإلا فهم معصومون داخلون الجنة بلا حساب ولا كتاب ﴿وَيَنقَلِبُ﴾ أي يرجع وينصرف من مقام الحساب اليسير ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ أي عيشيرة المؤمنين أو فريق المؤمنين هم رفقاؤه في طريق السعادة والكرامة ﴿مَسْرُورًا﴾ مبتهجاً بحاله وكونه من أهل النجاة قائلاً هاؤم اقرأوا كتابيه فهذا الانقلاب يكون في المحشر قبل دخول الجنة لا كما قال في "عين المعاني" من أنه يدل على أن أهله يدخلون الجنة قبله وفيه إشارة إلى كتاب الاستعداد الفطري المكتوب في ديوان الأزل بقلم كتبة الأسماء الجمالية فإن من أوتيه لا تناقشه الأسماء الجلالية وتنقلب إلى أهله مسروراً بفيض تجلي جماله
٣٧٧


الصفحة التالية
Icon