كديدن الفجار الذين لاي خطر ببالهم أمور الآخرة ولا يتفكرون في العواقب كسنة الصلحاء والمتقين كما قال تعالى حكاية إن كنا في أهلنا مشفقين والحاصل إنه كان الكافر في الدنيا فارغاً عن هم الآخرة وكان له مزمار في قلبه فجوزي بالغم الباقي بخلاف المؤمن فإنه كان له نائحة في قلبه فجوزي بالسرور الدائم وفيه إشارة أيضاً إلى الروح العلوي الذ يؤتى كتابه بيمينه وإلى النفس السفلية التي تؤتي كتابها من وراء ظهرها وأهلها القوى الروحانية النورانية والقوى الجسمانية الظلمانية ﴿إِنَّه ظَنَّ﴾ تيقن كما في "تفسير الفاتحة" للفناري وقال في "فتح الرحمن" الظن هنا على بابه بمعنى الحسبان لا الظن الذي بمعنى اليقين وهو تعليل لسروره في الدنيا أي إن هذا الكافر ظن في الدنيا ﴿إِنَّ﴾ أي الأمر والشأن فهي مخففة من الثقيلة سادة مع ما في حيزها مسد مفعول الظن أو أحدهما على الخلاف المعروف ﴿لَّن يَحُورَ﴾ لن يرجع إلى الله تكذيباً للمعاد والحور الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أغرابية تقول لبنية لها حورى حورى أي ارجعي وحر إلى أهلك أي ارجع ومنه الحديث نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي الرجوع عن حالة جميلة والحواري القصار لرجعه الثواب إلى البياض ﴿بَلَى﴾ إيجاب لما بدع لن أي بلى ليحورن البتة وليس الأمر كما يظن ﴿إِنَّ رَبَّهُ﴾ الذي خلقه ﴿كَانَ بِهِ﴾ وبأعماله الموجبة للجزاء والجار متعلق بقوله ﴿بَصِيرًا﴾ بحيث لا تخفى منها خافية فلا بد من رجعه وحسابه وجزائه عليها حتماً إذ لا يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله وهذا زجر لجميع المكلفين عن المعاصي كلها.
وقال الواسطي رحمه الله كان بصيراً به أدخلقه لماذا خلقه ولأي شيء لأجده وما قدر عليه من السعادة أو الشقاوة وما كتب له وعليه من له ورزقه ﴿فَلا﴾ كلمة لا صلة للتوكيد كما مر مراراً ﴿أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ هي الحمرة التي تشاهد في أفق المغرب بعد الغروب وبغيبوبتها يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء عند عامة العلماء أو لبياض الذي يليها ولا يدخل وقت العشاء إلا بزواله.
وجمعي برآنندكه آن بياض أصلاً غائب نمى شود بلكه
٣٧٩
متردداست از أفقي بأفقي.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٥
وقد سبق تحقيق المقام في المزمل وهي إحدى روايتين عن أبي حنيفة رضي الله عنه، ويروى إنه رجع عن هذا القول ومن ثمة كان يفتي بالأول الذي هو قول الإمامين وغيرهما سمى به يعني على كل من المعنيين لرقته لكن مناسبته لمعنى البياض أكثر وهو من الشفقة التي هي عبارة عن رقة القلب ولا شك أن الشمس أعني ضوءها يأخذ في الرقة والضعف عن غيبة الشمس إلى أن يستولى سواد الليل على الآفاق كلها وعن عكرمة ومجاهد الشفق هو النهار بناء على أن الشفق هو أثر الشمس وهو كوكب نهاري وأثره هو النهار فعلى هذا يقع القسم بالليل والنهار اللذين أحدهما معاش والآخر سكن وبهما قوام أمور العالم وفي المفردات الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس.
قال القاشاني : فلا أقسم بالشفق أي النورية الباقية من الفطرة الإنسانية بعد غروبها واحتجابها في أفق البدن الممزوجة بظلمة النفس عظمها بالأقسام بها لإمكان كسب الكمال والترقي في الدرجات بها.
وفي التأويلات النجمية يشير إلى أن الله تعالى أقسم الشفق لكونه مظهر الوحدة الحقيقية الذاتية والكثرة النسبية الإسمائية وذلك لأن الشفق حقيقة برزخية بين سواد ليل الوحدة وبياض نهار الكثرة والبرزخ بين الشيئين لا بد له من قوة كل واحد منهما فيكون جامعاً لحكم الوحدة والكثرة فحق له أن يقسم به وإنما جعل الليل مظهر الوجدة لاستهلاك الأشياء المحسوسة فيه استهلاك التعينات في حقيقة الوحدة ويدل عليه قوله وجعلنا الليل لباساً لاستتار الأشياء بظلمته وجعلنا النهار معاشاً مظهر الكثرة لظهور الأشياء فيه ولاشتمال المعاش على الأمور الكثيرة ﴿وَالَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ قال الراغب : الوسق جمع المتفرق أي وأقسم بالليل وما جمعه وما ضمه وستره بظلمته فما موصولة يقال وسقه فاتسق واستوسق يعني إن كلا منهما مطاوع لوسق أي جمعه فاجتمع وما عبارة عما يجتمع بالليل ويأوي إلى مكانه من الدواب والحشرات والهوام والسباع وذلك إنه إذا أقبل الليل أقبل كل شيء إلى مأواه مما كان منتشراً بالنهار وقيل يجوز أن يكون المراد بما جمعه الليل العباد المتهجدين بالليل لأنه تعالى قد مدح المستغفرين بالأسحار فيجوز أن يقسم بهم.
قال القاشاني : أي ليل ظلمة البدن وما جمعه من القوى والآلات والاستعدادات التي يمكن بها اكتساب العلوم والفضائل والترقي في المقامات ونيل المواهب والكمالات.
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٣٨٠ حتى ص٣٩٠ رقم٣٩
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٥


الصفحة التالية
Icon