﴿النَّارِ﴾ بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل على النار وهو بها يكون مهيباً مشتد الهول والتقدير النار فيه أو أقيم أل مقام الضمير على اختلاف مذهبي أهل البصرة والكوفة ﴿ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ خداوند ش باهيمه يعني افروخته بهيزم.
وهو بفتح الواو ما يوقد به وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه من
٣٨٨
الحطب وأبدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقي ولو لم يحمل على هذا المعنى لم يظهر فائدة التوصيف إذ من المعلوم إن النار لا تخلو من حطب ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ ظرف لقتل والضمير لأصحاب الأخدود وقعود جمع قاعد أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعين حولها في مكان مشرف عليها من حافات الأخدود ولفظ على مشعر بذلك تقول مررت عليه تريد مستعلياً بمكان يقرب منه وفي بعض التفاسير على سرر وكراسي قعود عند النار ولو قعدوا على نفس النار لاحترقوا فالقاتلون كانوا جالسين في مكان مشرف أو نحوه ويعرضون المؤمنين على النار فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يصر ألقوه في النار وأحرقوه وكان عليه السلام، إذا ذكر أصحاب الأخدوده تعوذ بالله من جهد البلاء وهو الحالة التي يختار عليها الموت أو كثرة العيال والفقر كما في "القاموس" والجهد بالفتح المشقة وجهد عيشه كفرح نكد واشتد ﴿وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ جمع شاهد أي يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن أحداً لم يقصر فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب بالإحراق من غير ترحم وإشفاق أو أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة يعني تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون هذا هو الذي يستدعيه النظم الكريم وتنطق به الروايات المشهورة وقد ذهب بعضهم إلى أن الجبابرة لما ألقوا المؤمنين في النار وهم قعود حولها علقت بهم النار وفي رواية ارتفعت فوقهم أربعين ذراعاً فوقعت عليهم فأخرقتهم ونجى الله المؤمنين سالمين ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وقبض الله أرواحهم قبل أن تمسهم النار كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق وعلى ذلك حملوا قوله تعالى :[البروج : ١٠-٤٩]﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ أي لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا وفيه إشارة إلى النفوس المتمردة الشاردة النافرة عن جناب الحق المستحقة لأخاديد النيران والخذلان والخسران الموقدة بأحطاب أخلاقهم الرديئة المؤصدة بأحجار أوصافهم الخبيثة النفسية الهوائية إذ هم عليها قعود بارتكاب الشهوات وانكابهم على اللذات والنفس والهوى وقواهم الطبيعية يشهد بعضهم على بعض بما يفعلون بمؤمني الروح والسر والقلب من المخالفة والمجادلة والمخاصمة وما نقموا منهم} أي وما أنكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الأمر إذا عابه وكرهه وفي المفردات نقمت الشيء إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة ﴿إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ قال : بلفظ امضارع مع إن الإيمان وجد منهم في الماضي لإرادة الاستمرار والدوام عليه فإنهم ما عذبواهم لإيمانهم في الماضي بل لدوامهم عليه في الآتي ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكأنه قيل : إلا أن يستمروا على إيمانهم وإما قوله تعالى : حكاية وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا فلان مجرد إيمان السحرة بموسى عليه السلام، كان منكراً وأجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكلية على منهاج قوله :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٨٣
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم
ثلام بنسيان الأحبة والوطن
في إن ما أنكروه ليس منكراً في الواقع وغير حقيق بالإنكار كما إن ما جعله الشاعر عيباً
٣٨٩
ليس عيباً ولا ينبغي أن يعد عيباً ولا يضر ذلك كون الاستثناء في قول الشاعر مبنياً على الإدعاء بخلاف ما في نظم القرآن فإنهم أنكروا الإيمان حقيقة ووصفه تعالى بكونه عزيزاً غالباً يخشى عقابه حميداً منعماً يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله ﴿الَّذِى لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ للإشعار بمناط إيمانهم والملك بالفارسية ادشاهى.
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٣٩٠ حتى ص٤٠٢ رقم٣٩٠