وأخر هذه الصفة لأن الملك التام لا يحصل إلا عند حصول الكمال في القدرة التي دل عليها العزيز وفي العلم الذي دل عليه الحميد لأن من لا يكون تام العلم لا يمكنه أن يفعل الأفعال الحميدة وفي "كشف الأسرار" وإنما وصف ذاته بهذه الصفات ليعلم إنه لم يمهل الكفار لأجل أنه غير قادر ولكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغاً من الثواب لم يكونوا يبلغونه إلا بمثل ذلك الصبر وإن يعاقب أولئك الكافرين عقاباً لم يكونوا يستوجبونه إلا بمثل ذلك الفعل وكان قد جزى بذلك قضاؤه على الفريقين جميعاً في سابق تدبيره وعلمه وفيه تشنيع على الكفار بغاية جهلهم حيث عدواً ما هو منقبة هي سبب المدح منقصة هي سبب القدح ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ وخدا برهمه يزها از افعال وأقوال مؤمن وكافر كواهست وبآن دانا.
وهو وعد لهم ووعيد شديد لمعذبهم فإن علمه تعالى بجميع الأشياء التي من جملتها أعمال الفريقين يستدعي توفير جزاء كل منهما حتماً قال الامام القشيري الشهيد العليم ومنه قوله تعالى :﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ أي علم والشهيد الحاضر وحضوره بمعنى علمه ورءَته وقدرته والشهيد مبالغة من الشاهد وإذا علم العبد أن الله تعالى شهيد يعلم أفعاله ويرى أحواله سهل عليه ما يقاسيه لأجله.
(حكى) إن رجلاً كان يضرب بالسيات وهو يصبر ولا يصبح فقال له بعض الحاضرين أما يؤلمك الضرب فقال نعم قال فلم لا تصيح قال في الحاضرين لي محوب يرقبني فأخاف أن يذهب ماء وجهي عنده إن صحت فمن ادعى محبة الحق ولم يصبر على قرص نملة أو بعوضة أو أدنى أذية كيف يكون صادقاً في دعواه ولذا قالوا دلت القصة على أن المكره على الكفر بنوع من العذاب الأولى أن يصبر على ما خوف منه وإن كان إظهار الكفر كالرخصة في ذلك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٨٣
حكى) إن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبي عليه السلام، فقال لأحدهما تشهد أني رسول الله فقال : نعم فتركه، وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال النبي عليه السلام إما الذي تركه فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه وإما الذي صبر فأخذ بالفضل فهنيئاً له.
وفي التأويلات النجمية : والله على كل شيء من سموات الأرواح وأرض الأشباح والأجساد شهيداي حاضر لمظهرية الكل وظهوره فيها ذاتاً وصفات وأسماء لاستلزام الذات جميع التوابع الوجودية إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} الفتن الإحراق والفتنة بالفارسية آانون.
أي محنوهم في دينهم وآذوهم وعذبوهم بأي عذاب كان ليرجعوا عنه كأصحاب الأخدود ونحوهم كما روى أن قريشاً كانوا يعذبون بلالاً ونحوه فالموصول اللجنس وإنما لم يدفع البلاء قبل الابتلاء لأن أهل الولاء لا يخلو عن البلاء.
وهيهات هيهات الصفاء لعاشق
وجن عدن بالمكاره حفت
﴿ثُمَّ﴾ أي بعد ما فعلوا ما فعلوا من الفتنة ﴿لَمْ يَتُوبُوا﴾ أي عن كفرهم وفتنتهم فإن ما ذكر
٣٩٠
من الفتنة في الدين لا يتصور من دين الكافر قطعاً وفي إيراد ثم إشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل في القهر ويقبل التوبة وإن طالت مدة الحوبة قال الامام وذلك يدل على أن توبة القاتل عمداً مقبولة ﴿فَلَهُمْ﴾ في الآخرة بسبب كفرهم ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ يعذبون به أبداً ﴿وَلَهُمْ﴾ بسبب فتنتهم للمؤمنين ﴿عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ أو عذاب عظيم زائد في الإحراق على عذاب سائر ل جهمن فظهرت المغايرة بين المعطوفين وإن كان كل منهما حاصلاً في الآخرة ويحتمل أن يكون المراد بعذاب جهم بردها وزمهريرها وبعذاب الحريق حرها فيرددون بين برد وحر على أن يكون الحر لإحراقهم المؤمنين في الدنيا والبرد لغيره كما قالوا الجزاء من جنس العمل والحريق اسم بمعنى الاحتراق كالحرقة وقول الكاشفي : في تفسيره عذاب الحريق عذاب آتش سوزان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٨٣