قال القاشاني : الحافظ هو الله إن أريد بالنفس الجملة وإن أريد بها النفس المصطلح عليها من القوة الحيوانية فحافظها الروح الإنساني فلينظر الإنسان} ليتفكر الإنسان المركب من الجهل والنسيان المنكر للنشور والحشر والميزان ﴿مِمَّ﴾ أي من أي شيء فأصله مما حذفت الألف تخفيفاً كما مر في عم ﴿خُلِقَ﴾ حتى يتضح إن من قدر على إنشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط فهو قادر على إعادته بل أقدر على قياس العقل فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ما ينفعه يومئذٍ ويجد به ولا يملى حافظه ما يرد به ﴿خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ استئناف وقع جواباً عن استفهام مقدر كأنه قيل ممن خلق فقيل خلق من ماء ذي دفق وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة وبالفارسية ريزانيدن آب.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
وبابه نصر وإنما أول بالنسبة لأن الصب لا يتصور من النطفة لظهور إنها مصبوبة لإصابة فتوصيفه بأنه دافق لمجرد نسبة مبدأ الاشتقاق إلى ذات الموصوف به مع قطع النظر عن صدوره منه.
وقال بعضهم : أي مدفوق ومصبوب في الرحم نحو سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول والمراد به الممتزج من الماءين في الرحم كما نبىء عنه ما بعده في الآية وللنظر إلى امتزاجهما عبر عنهما بصيغة الأفراد ووصف الماء الممتزج بالدافق من قبيل توصيف المجموع بوصف بعض أجزائه ﴿يَخْرُجُ﴾ ذلك الماء الدافق ﴿مِنا بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآاـاِبِ﴾ الصلب الشديد وباعتباره سمى الظهر صلباً أي من بين ظهر الرجل وترائب المرأة وهي ضلوع صدرها وعظام نحرها حيث تكون القلادة وكل عظم من ذلك تربية وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما بين الثديين وفي "القاموس" الترائب عظام الصدر أو ما ولى الترقوتين منه أو ما بين الثدين والترقوتين أو أربع إضلاع من يمنة الصدر وأربع من سيرته أو اليدان والرجلان والعينان أو موضع القلادة انتهى.
ومن ذلك يتحمل الوالد مصالح معيشة الولدو تشتد رقة الوالدة ومحبتها للولد
٣٩٨
وإيراد بين إشارة إلى ما يقال إن النطفة تتكون من جميع أجزاء البدن ولذلك يشبه الولد والديه غالباً فيجتمع ماء الرجل في صلبه ثم يجري منه ويجتمع ماء المرأة في ترائبها ثم يجري منها وفي قوت القلوب أصل المنى هو الدم يتصاعد في خرزات الصلب وهناك مسكنة فتضجه الحرارة فيستحيل أبيضا فإذا امتلأت منه خرزات الصلب وهو الفقار طلب الخروج من مسلكه وهو عرقان متصلان إلى الفرج منهما ينزل المني وفي أسئلة الحكم بين طريق البول وطريق المنى جلد رقيق يكاد لا يتشخص كيلاً يختلط المنى بماء البول فيفسد حرارة جوهره.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
وفي التأويلات النجمية : خلق الإنسان من ماء رطوبة النفس الرحمني الذي إشار إليه عليه اسلام بقوله إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن دافق هذا الماء من فم فوارة المحبة المشار إليها بقوله تعالى : كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق الخارج من بين الصلب أي رجل القوة الفاعلية الإلهية المسماة باليد اليمنى في قوله ثم مسح يده اليمنى على جانبا لظهر الأيمن فاستخرج منه ذرية بيضاء كالفضة اليبضاء والترائب وترائب امرأة القابلية المسماة باليد اليسرى في قوله ثم مسح يده اليسرى على جانب الظهر الأيسر فاستخرج منه ذراري حماء سوداء فهو الإنسان المخلوق على صورة ربه وخالقه من ماء الفيض والقبول المخمر بيدي الفاعلية والقابلية المشار إليها بقوله خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً ﴿إِنَّهُ﴾ الضمير للخالق فإن قوله خلق يدل عليه أي إن ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء مما ذكر ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي إعادته بعد موته ﴿لَقَادِرٌ﴾ أي لبين القدرة بحيثلا يرى له عجز أصلاً وتقديم الجار والمجرور على عامله وهو لقادر للاهتمام به من حيث إن الكلام فيه بخصوصه فهو لا ينافي قادريته على غيره قال بعضهم : خلقه لإظهار قدرته ثم رزقه لإظهار الكرم ثم يميته لإظهار الجبروت ثم يحييه لإظهار الثواب والعقاب ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاـاِرُ﴾ ظرف لرجعه ولا يضر الفصل بالأجنبي للتوسع في الظروف والسرائر جمع سريرة بمعنى السر وهي التي تكتم وتخفى أي يتعرف ويتصفح ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى من الأعمال ويميز بين ما طاب منها وما خبث وبالفارسية روزى كه آشكارا كرده شود نهانها يعني ظاهر كند مخفيات ضمائر وأعمال تاطيب آن از خبيث متميز كردد.
كر رده زروى كار ما بر دارند
آن كيست كه وسواي دو عالم نشود
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦


الصفحة التالية
Icon