والإبلاء هو الابتلاء والاختبار وإطلاق الإبلاء على الكشف والتمييز من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب لأن الاختبار يكون للتعريف والتمييز وابتلاء الله عباده بالأمر والنهي يكون لكشف ما علم منهم في الأزل وقال بعضهم : المراد بالسرائر الفرائض كالصوم والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة فإنها سر بين العبد وبين ربه ولو شاء العبد أن يقول فعلت ذلك ولم فعله أمكنه وإنما تظهر صحة تلك السرائر يوم القيامة قال ابن عمر رضي الله عنهما يبدي الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه يعني من أدى الامانات كان وجهه مشرقاً ومن ضيعها كان وجهه اغبر ﴿مَالَهُ﴾ أي للإنسان وما نافية ﴿مِن قُوَّةٍ﴾
٣٩٩
في نفسه يمتنع بها من العذاب الذي حل به ﴿وَلا نَاصِرٍ﴾ من خارج ينتصر به إذ كل نفس يومئذٍ رهينة بما كسبت مشغولة بجزاء ما جرت عليه خيراً كان أو شراً فالمراد بالقوة المنفية هي القوة الثابتة له في نفسه لا القوة مطلقاً وإلا لم يبق للعطف فائدة لأن القوة المستفادة من الغير قوة أيضاً وقد نفيت أولاً والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف وفي التعريفات هي تمكن الحيوان من الأفعال الشاقة ونصر المظلوم أعانه ونصره منه نجاه وخلصه وفيه إشارة إلى القوة بحسب نية الباطن وعمل الظاهر بالنية الخالصة المجردة عن العمل قد تنصر الناوي أيضاً لكن إذا قارنت العمل كانت أقوى ﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ذات مؤنث ذو بمعنى الصاحب والرجع المطر سمى رجعاً لما إن العرب كانوا يزعمون إن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض أو أرادوا بذلك التفاؤل ليرجع ولذلك سموه أو باليؤوب فيكون الرجع مصدراً من اللازم بمعنى الرجوع لا من المتعدي قاله بعض العلماء أو لأن الله يرجعه وقتاً فوقتاً بعد إيجاده وإحداثه وقال الراغب سمى المطر رجعاً لرد الهواء ما تناوله من الماء وفي "كشف الأسرار" لأنه يرجع كل عام ويتكرر وقال عبد القاهر الجرجاني في كتاب إعجاز القرآن إنما قال للسماء ذات الرجع لأن شمسها وقمرها يغيب ويطلع وبعض نجومها يرجع ﴿وَالارْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات إذا المحاكى للنشور هو تشقق الأرض وظهور النبات منها لإهار العيون فالمراد بالصدع نبات الأرض سمى به لأنه صادع للأرض والأرض تتصدع به والصدع في اللغة الشق وفي "المفردات" شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما وفي الآية إشارة إلى أن السماء ذات الرجع كالأب والأرض ذات الصدع كالأم وما ينبت من الأرض كالولد اقسم الله بالسماء أو لا مجردة عن التوصيف وثانياً مقيدة بكونها ذات الرجع وكذا بالأرض ذات الصدع إيماء إلى المنة عليهم بكثرة المنافع ودلالة على العلم التام والقدرة الكاملة فيهما وفيه إشارة إلى سماء الروح ذات الرجع في النشأة الثانية وأرض البدن ذات الصدع بالانشقاق عن الروح وقت زهوقه أو الشق بعد اتصاله
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
﴿إِنَّهُ﴾ أي القرآن الذي من جملته ما تلى من الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده ﴿لَقَوْلُ﴾ لكلام إذ القول كثيراً ما يكون بمعنى المقول ﴿فَصْلٌ﴾ أي فاصل بين الحق والباطل مبالغ في ذلك كأنه نفس الفصل كما قيل له فرقان بمعنى الفارق ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ الهزل اللعب وفي "فتح الرحمن" ما استعمل في غير ما وضع له من غير مناسبة والجد ضده وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه أي ليس في شيء من القرآن شائبة هزل بل كله جد محض لا هزل فيه فم حقه أن يهتدى به الغواة وتخضع له رقاب العتاة وبالفارسية ونيست أو بازى وباطل وفسوس وسخريه.
ويظهر من الآية إن من يؤم القرآن بهزل أو بتفكه بمزاح يكفر وفي هدية المهدين إذا أنكر رجل آية من القرآن أو سخر بها أو عابها فقد كفر ومن قرأ القرآن على ضرب الدف أو القصب فقد كفر ولو قال ألم تشرح لك را كريبان كرفته.
أو قال وست ازقل هو الله أحد بردى.
أو قال اين كوته
٤٠٠
تراز انا أعطيناك.
أو قيل لم لم تقرأ القرآن فقال سير شدم از قرآن.


الصفحة التالية
Icon