فهذا كله وأمثاله كف ينبغي للمؤمن يحترز منه ويجتنب عنه ﴿أَنَّهُمْ﴾ أي أهل مكة ومعاندى قريش ﴿يَكِيدُونَ﴾ في إبطال أمره وإطفاء نوره يعني مكر ميكنند درشان رسول وحق قرآن ﴿كَيْدًا﴾ حسبما في قدرتهم ﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ أي أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث أستدرجهم من حيث لا يعلمون وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر لقوي فتسمية الاستدراج والانتقام في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالنار كيداً من باب المشاكلة لوقوعه في مقابلة كسبهم جزاء له وإلا فالكيد وهو المكر والاحتيال لا يجوز إسناده إليه تعالى مراداً به معناه الحقيقي وتسمية جزاء الشي باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة شائع كثير ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾ أي لا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم بالهلاك ولا تستعجل به يعني مهلت ه كافر انرا وتعجيل مكن در طلب هلاك ايشان ﴿أَمْهِلْهُمْ﴾ بل من مهل وهما أي التمهيل والإمهال لغتان كما قال تعالى :﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا﴾.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
روى) عن همام مولى عثمان رضي الله عنه إنه قال لما كتبوا المصحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوا في كتف شاة وأرسلوني إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما فدخلت عليهما فناولتها أبيا فقرأها فإذا هي فيها لا تبديل للخلق فكتب لا تبديل لخلق الله وكان فيها لم تيسن فكتب لم يتسنه وكان فيها فأمهل الكافرين فمحا الألف وكتب فمهل الكافرين ونظر فيها زيد بن ثابت فانطلقت بها إليهم فاثبتوها في المصحف وفيه إشارة إلى أن الله تعالى حافظ للقرآن من التحريف والتبديل لأنه بته في صدور الحفاظ وإلى أن المشكلات يرجع فيها إلى أهل الحل رويداً} يقال أرود يرود إذا رفق وتأنى ومنه بنى رويد كما في "المفردات" وفي الإرشاد هو في الأصل تصغير رود بالضم وهو المهل أو أرواد مصدر أورد بالترخيم وهو إما مصدر مؤكد لمعنى العامل أو نعت لمصدره المحذوف أي أمهلهم إمهالاً رويداً أي قريباً أو قليلاً يسيراً فإن كل آت قريب كما قالوا كره قيامت دير آيد ولى مي آيد.
وفيه تسلة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بما فيه من الرمز إلى قرب وقت الانتقام من الأعداء وفي "كشف الأسرار" وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر الأزمان يسير.
(حكى) إنه دخل ابن السماك عى هارون الرشيد فطلب هارون من العظة وقد جلس في حصير فقال يا أمير المؤمنين لتواضعك في شرفك أفضل من شرفك قال الرشيد ما سمعت شيئاً أحسن من هذا فقال بلى يا أمير المؤمنين من أعظى مالاً وجمالاً وسلطاناً وشرفاً فتواضع في شرفه وعف في جماله ووأسى من فضل ماله وعدل في سلطانه كتب في ديوان المخلصين فدعا الرشد بالقرطاس فكتبها ثم قال زدني فقال يا أمير المؤمنين لقد أمهل حتى كأنه أهمل ولقد ستر حتى كأنه غفر ثم قال يا أمير المؤمنين هب كأن الدنيا كلها في يديك والأخرى مثلها ضمت إليك هب كان الشرق والغرب يجبي إليك فإذا جاء ملك الموت فماذا في يديك قال زدني فقال لم يبق من لدن آدم إلى يومنا هذا أحد إلا وقد ذاق الموت قال زدني فقال إنهما موضعان أما جنة وأما نار قال حسبي ثم غشى عليه قال ابن السماك
٤٠١
دعوه حتى يموت فلما أفاق أمر له بجائزة فقيل له إنه قال كذا فسأله الرشيد عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين أي شيء أحسن من أن يقال إن أمير المؤمنين مات من خشية الله فاستحسن كلامه واحترمه.
(قال الحافظ) : بمهلتي كه سهرت دهد زراه مرو.
تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كرد.
فطوبى لمن قصر أمله وطال عمره وحسن عمله والله سنأل أن لا يجعلنا من المغترين.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
تفسير سورة الأعلى
تسع عشرة آية مكية عند الجمهور
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٠١