وفيه إشرة إلى زينة الحياة الدنيا ومنافعها ومآكلها ومشاربها فإنها مرعى النفس الحيوانية ومرتع بهائم القوى جعلها الله سريعة الفناء وشيكة الزوال كالهشيم والحطام البالي المسود فينبغي أن لا يلتفت إليها ولا يشغل بها فإنها مانعة عن التسبيح الخاص وهو تنزيه الذات وتجريدها عن العلائق وبها يحصل الاحتجاب عن الكمال المقدر في حق كل أحد ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى﴾ بيان لهدايته تعالى الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلّم أثر بيان هدايته العامة لكافة مخلوقاته وهي هدايته عليه السلام، لتلقى الوحي وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين وتوفيقه عليه السلام لهداية الناس أجمعين.
قال الراغب : في المفردات أخبار وضمان من الله تعالى أن يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق انتهى.
والسين إما للتأكيد وإما لأن المراد إقراء ما أوحى إليه حينئذٍ وما سيوحى إليه بعد ذلك فهو وعد كريم باستمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء يقال قرأ القرآن فهو قارىء وأقرأه غيره فهو مقرىء أي علمه إياه فهو معلم وفي تاج المصادر الإقراء قرآن كوش فرا داشتن وخواننده كردن.
ومنه سنقرئك انتهى والمعنى سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسانه جبرائيل فلا تنسى أصلاً من قوة الحفظ والاتقان وفي "كشف الأسرار" سنجمع حفظ القرآن في قلبك وقراءته في لسانك حتى لا تنسى كقوله إن علينا جمعه وقرآنه ﴿إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى شيئاً من الأشياء مما تقرأه إلا ما شاء الله أن تنساه أبداً بأن نسخت تلاوته فإن النسخ نوع منا ساء وطريق من طرقه فكأنه بالنسخ محي من الصحف والصدور فالمراد بالنسيان هو النسيان الكلي الدائم بحيث لا يعقبه التذكر بعده ويجوز بأن يراد به النسيان المتعارف الذي يعقبه الذكر بعده وهو النسيان في الجملة على القلة والندرة أي فلا تنسى إلا ما شاء الله نسينه ثم لا يبقى المنسى منسياً دائماً بل يعقبه الذكر كما هو المفهوم من المقام ويؤيد هذا المعنى ما روى إنه عليه السلام، أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي رضي الله عنه إنه نسخت فسأله فقال عليه السلام نسبتها.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٠٢
وروى) إن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يقرأ القرآن في الليل فقال عليه السلام لقد أذكرني آية أنسيتها ومن هذا كان عليه اسلام يقول في دعائه اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى رحمة اللهم ذكرني منه ما سنيت وعلمني منه ما جهلت وارزقتي تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين وكان عليه السلام، يقول إنما أنا بشر سى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وقال تعالى :[الكهف : ٢٤-٧]﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ودل الكل على جواز طريان النسيان عليه وإن لم يكن سهوه ونسيانه من قبيل سهو الأمة ونسيانهم فإنه أهل الحضور الدائم روى عن جعفر الصادق رضي الله عنه إنه عليه السلام كان يقرأ من الكتاب وإن كان لا يكتب وفيه معجزة له عليه السلام، فإنه كان أمياً وقد جعله الله قارئاً ثم إنه كان يقر من الحفظ
٤٠٦


الصفحة التالية
Icon