فناعمة من نعم الشيء بالضم نعومة أي صار ناعماً ليناً ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة أي بالنعم الجسمانية والروحانية وهي وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وإنما لم تعطف على ما قبلها إيذاناً بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية أهل النار لأنه أدخل في تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه إشارة إلى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة والتورية التي هي نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة فإن بالنظر إلى الرب يحصل نضرة أي نضرة ﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ أي لعملها اذي عملته في الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعيها فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف جيء باللام لتقوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل أي لأجل سعيها في طاعة الله راضية جزاءها وثوابها ودخل في السعي الرياضات والمجاهدات والخلوات ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ أي كائنة أو متمكنة في جنة مرتفعة المحل فإن الجنات فوق السموات العلى كما إن النيران تحت الأرضين السبع وأيضاً هي درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والأرض فتكون من العلو في المكان وفي الحديث :"إن المتحابين في الله في غرف ينظر إليهم أهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا إلى كواكب السماء" ويجوز أن يكون معنى عالية عليهة القمدار فتكون من العلو في القدر والشرف لتكامل ما فيهما من النعيم وفيه إشارة إلى المقامات العالية المعنوية لأنها مقامات أهل الوجاهة والشرف المعنوي فلا يصل إليها أهل التمني والدعوى ﴿لا تَسْمَعُ﴾ أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكلم ن يصلح له أو الوجوه فيكون التاء للتأنيث لا للخطاب ﴿فِيهَا﴾ أي في تلك الجنة العالية ﴿لَـاغِيَةً﴾ لغوا من الكلام وهو ما لا يعتد به فهي مصدر كالعافية أو كلمة ذات لغو على إنها للنسبة أو نفساً تلغو على أنها اسم فاعل صفة لموصوف
٤١٤
محذوف هو نفس وذلك فإن كلام أهل الجنة كله إذكار وحكم إذ لا يدخلها المؤمن إلا من مرتبة القلب والروح فإن النفس والطبيعة تطرحان في النار وشأن القلب والروح هو الذكر كما إن شأن النفس والطبيعة هو اللغو فكما لا لغو في الجنة الصورية فكذا لا لغو في الجنة المعنوية في الدنيا لاستغراق أهلها في الذكر وسماع خطاب الحق ولذا لا تسمع في مجالستهم إلا المعارف الربانية والحكم الرحمانية وفي الحديث "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولاي بولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون قالوا فما بال الطعام قال رشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وإما الدنيا ومجالس أهلها فلا تخلو من اللغو ولذلك قال عليه السلام :"من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه" وهو الكلام الرديء القبيح والضجة والأصوات المختلفة لا يفهم معناها "فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك" أي ما لم يتعلق بحق آدمي كالغيبة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤١٢
﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ التنوين للتكثير أي عيون كثيرة تجري مياهها على الدوام حيث شاء صاحبها وهي أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من شرب منها لا يظمأ عدها أبداً ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء وفيه إشارة إلى عيون الذوق والكشف والوجدان والتوحيد فإن بها يحصل الشفاء والصحة والبقاء لأهل القلوب وأصحاب الأرواح ﴿فِيهَا سُرُرٌ﴾ يجلسون عليها جمع سرير وهو معروف يعني در آنجا تختها برهر تختي هفصد يستر برهر سترى حورى ون ماء أنور ﴿مَّرْفُوعَةٌ﴾ رفيعة السمك أي عالية في الهواء على قوائم طوال فإن السمك هو الامتداد الآخذ من أسفل الشيء إلى أعلاه فالمراد برفعة سمكها شدة علوها في الهواء فيرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه في الجنة من النعيم الكبير والملك العظيم قال عليه السلام ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام قيل إذا جاء ولي الله ليجلس عليها تطامنت له فإذا استوى عليها ارتفعت ويجوز أن يكون المعنى رفيعة المقدار من حيث اشتمالها على جميع جهات الحسن والكمال في ذواتها وصفاتها.
أصل آن زر مكلل بزبرجد وجواهر.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤١٢


الصفحة التالية
Icon