يقول الفقير : لا حاجة إلى الحمل على التجوز فإن بعض الأمكنة كالكعبة تزور بعض الخواص بالإيجاد والإعدام اللذين هما إسراع شيء من طرفة العين فلا بعد في أن يكون مجيء جهنم من هذا القبيل على أن الأرض يومئذٍ أوسع شي كما بين فيما سبق فهي تسع جهنم وأهل المحشر جميعاً وأيضاً المراد بمجيء جهنم مجيء صورتها المثالية ولا مناقشة فيه فيكون كمجيء المسجد الأقصى إلى مرأى النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله قريش عن بعض أوصافه في قصة المعراج ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ بدل من إذا دكت والعامل فيهما قوله تعالى ﴿يَذْكُرُ الانسَـانُ﴾ أي يتذكر ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه أو بمعانية عينه على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فيبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة والقبيحة أو يتعظ أي يقبل التذكير والإرشاد الذي بلغ إليه في الدنيا ولم يتعظ ولم يقبله في الدنيا فيتعظ به في الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا وهذا الاتعاظ يستلزم الندم على تقصيراته والندم توبة لكن لا توبة هناك لفوت الوقت.
قال القاشاني : يوم يتذكر الإنسان خلاف ما أعتقده في الدنيا وصار هيئة في نفسه من مقتضيات فطرته فإن ظهور الباري بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون إلا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه بما هو في نفس الأمر كالمنكر والنكير ﴿وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس بتذكر حقيقة امرأته عن الجدوى بعدم وقوعه في أوانه وأنى خبر مقدم
٤٣٠
للذكرى وله متعلق بما تعلق به الخبر أي ومن أين يكون له الذكرى وقد فات أوانها وقيل هناك محذوف واللام للنفع أي إني له منفعة الذكرى وبه يرتفع التناقض الواقع بين إثبات التذكر أو لا ونفيه ثانياً ثم إنه تعالى لما نفى كون هذه الذكرى والتوبة نافعة له بقوله وأنى له الذكرى علمنا إنه لا يجب قبول التوبة كما ذهب إليه المغتزلة وفي "الإرشاد" والاستدلال به على عدم وجواب قبول التوبة في دار التكليف يعني عقلاً كما تزعم المعتزلة مما لا وجه له على أن تذكره ليس من التوبة في شيء فإنه عالم بأنها إنما تكون في الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى ﴿يَقُولُ يا لَيْتَنِ﴾ أيها الحاضرون ﴿لَيْتَنِى﴾ كاشكى من ﴿قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى﴾ وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جواباً عن سؤال نشأ عنه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول : يا ليتني عملت لأجل حياتي هذه يعني لتحصيل الحياة الأخروية التي هي حياة نافعة دائمة غير منقطعة أعمالاً صالحة انتفع بها اليوم أو وقت حياتي على أن اللام بمعنى في للتوقيت ويجوز أن يكون المعنى قدمت عملاً ينجيني من العذاب فأكون من الإحياء قال تعالى لا يموت فيها ولا يحيى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٢٠
واعلم أن أهل الحق لا يسلبون الاختيار بالكلية وليس في هذا التمني شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله كما يزعمه المعتزلة وإنما الذي يدل عليه ذلك اعتقاد كونه متمكناً من تقديم الأعمال الصالحة وإما إن ذلك بمحض قدرته أو بخلق الله عند صرف قدرته الكاسبة إليه فلا وإما ما قيل من أن المحجور قد يتمنى إن كان ممكناه منه وموفقاً له فربما يوهم إن من صرف قدرته إلى أحمد طرفي الفعل يعتقدانه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك بل كل أحد جازم بأنه لو صرف قدرته إلى أي طرف كان من أفعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف وإلزام الحجة ﴿فَيَوْمَـاـاِذٍ﴾ أي يوم إذ يكون ما ذكر من الأحوال والأقوال ﴿لا يُعَذِّبُ عَذَابَه أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَه أَحَدٌ﴾ الهاء راجع إلى الله تعالى والعذاب بمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم وكذا الوثاق بالفتح بمعنى الإيتاق وهو الشد بالوثاق وهو ما يشد به من الحديد والحبل والإيثاق بالفارسية بند كردن يعني بسلاسل واغلال واسير كرد دران.