وهو إسماعيل عليه السلام فإنه ولد بلا واسطة ومحمد عليه السلام، فإنه ولده بواسطة إسماعيل فتتضمن السورة القسم بالنبي عليه السلام في موضعين وإيثار ما على من لمعنى التعجب مما أعطاه الله من الكمال كما في قوله والله أعلم بما وضعت أي شيء وضعت يعني موضوعاً عجيب الشأن وهو مريم أو الوالد آدم عليه السلام، وما ولد ذريته وهو الأنسب لمضمون الجواب فالتفخيم المستفاد من كلمة ما لا بد فيه من اعتبار التغليب أي فهو من باب وصف الكل بوصف البعض أو للتعجيب من لأمر الذي يشترك فيه الكل كالنطق والبيان والصورة البديعة وغيرها وقيل الوالد أعلمكم أمر دينكم ولقوله عليه السلام لعلي رضي الله عنه أنا وأنت أبوا هذه الأمة وإلى هذا أشار بقوله عليه السلام كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وهو سبب الدين ونسب التقوى وقد سمى الله النبي عليه السلام أبا للمؤمنين حيث قال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وفي بعض القراآت وهو أب لهم فإن أمومية الأزواج المطهرة تقتضي أبوته عليه السلام إذ كل من كان سبباً لا يجاد شيء وإصلاحه أو ظهوره يسمى أبا وقد قال عليه السلام إنا من الله والمؤمنون من فيض نوري وصرح تعالى بفضيلة هذه الأمة حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ولذا عظمهم بالإقسام بهم وفيه إشارة إلى إبراهيم الروح الوالد وإسماعيل السر المولود منه أو آدم الروح وإبرهيم السر أو إلى روح القدس الذي هو الأب القحيقي للنفوس الإنسانية كقول عيسى عليه السلام، إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماوي وقوله تشبهوا بأبيكم السماوي فالمراد بما ولد هو النفس التي ولدها هو فكأنه قيل واقسم بروح القدس والنفس الناطقة ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ فِى كَبَدٍ﴾ جواب للقسم يقال كبد الرجل كبداً إذا وجعت كبده فانتفخت وأصله كبده إذا أصاب كبده كذكرته إذا قطعت ذكره ورأيته إذا قطعت رئته ثم اتسع فيه حتى استعمل في كل نصب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة بمعنى مقاساة الشدة وفي كبد حال من الإنسان بمعنى مكابداً وحرف في واللام متقاربان تقول إنما أنت للعناء والنصب وإنما أنت في العناء والنصب ووجه آخر ن أقوله في كبد يدل على أن الكبد قد أحاط به إحاطة الظرف بالمظروف والمعنى لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة فإنه مع كونه أضعف الخلق لا يزال يقاسى فنون الشدائد مبدأها ظلمة الرحم ومضيقة ومنتهاها الموت وما بعده فابن آدم يكابد من البلايا ما لا يكابده غيره يعني إن الكبد يتناول شدائد الدنيا من قطع سرته والتفافه بخرقة محبوس الأعضاء ومكابدة الختان وأواجاعه ومكابدة المعلم وصولته والاستاذ وهيبته ثم مكابد شغل التزوج وشغل الأولاد والخدم
٤٣٤
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٣٣
وشغل المسكن ثم الكبر والهرم من جملة مصائب كثيرة لا يمكن تعدادها كالصداع ووجع الأضراس ورمد العين وهم الدين ونحو ذلك ويتناول أيضاً شدائد التكاليف كالشكر على السراء والصبر على الضراء والمكابدة في أداء العبادات كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ثم بعد ذلك يقاسي شدة الموت وسؤال الملك وظلمة القبر ثم البعث والعرض على الملك المحاسب إلى أن يصل إلى موضع الاستقرار إما في الجنة وإما في النار كما قال لتركبن طبقاً عن طبق قال الامام ليس في الدنيا لذة البتة بل ذلك الذي يظن إنه لذة فهو خلاص من الألم فاللذة عند الأكل هي الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هي الخلاص من ألم الحر والبلاد فليس للإنسان إلا ألم أو خلاص من ألم وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مما كان يكابده من كفار قريش وإشارة إلى أن الإنسان المقيد بقيد التعين الوجودي خلق في تعب التعين والتقييد وفيه حرمان من المطلق ونوره فإن المقيد بقيد التعين معذب بحرمان المطلق.
وقال القاشاني : لقد خلقنا الإنسان في مكابدة ومشقة من نفسه وهواه أو مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب إذا الكبد في اللغة غلظ الكبد الذي هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القوة فاسعير غلظ الكبد لغلظ حجاب القلب ومرض الجهل ﴿أَيَحْسَبُ﴾ أيامي ندارد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٣٣