في غيره إذا المقدر في المعطوف عليه يقدر في المعطوف فيكون التقدير ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها وبطلانه ظاهر فإن الظاهر أن تكون في مواضعها موصولة فاعرف وسيجيء شرح انفس وتسويتها عند أهل التأويل إن شاء الله تعالى ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاـاهَا﴾ الفاء إن كانت لسببية التسوية فالأمر ظاهر وإن كانت لتقبها فلعل المراد منها إتمام ما يتوقف عليه الإلهام من القوى الظاهرة والباطنة والإلهام القاء الشيء في الروع إما من جهة الله أو من جهة الملاء الأعلى وأصل إيهام الشيء ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل أو لشدة الاهتمام بنفيه لأنه إذا انتفى الفجرو وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه أعني والمعنى أفهم النفس إياهما وعرفها حالهما من الحسن والقبح وما يؤدي إليه كل منهما ومكنها من اختيار أيهما شاءت قال بعض الكبار الإلهام لا يكون إلا في الخير فلا يقال في الشر الهمني الله كذا وإما قوله تعالى فألمهما فجورها وتقواها فالمراد فجورها لتجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به إذ لسي في كلام الله تناقض أبداً وقال بعضهم : لا يخفى إن محل الإلهام هو النفس قال تعالى :﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا﴾ لتعلمه ولا تعمل به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو في قسم الفجور إلهام إعلام لا إلهام عمل إن الله لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فإنه لوالهم بها ما قامت الحجةعلى العبد فهذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين أي بينا له الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه إلى النفس خاطر المباح ولا إلهامه فيها وسبب ذلك إن المباح لها ذاتي فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس إلا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للإنسان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٤٠
وفي التأويلات النجمية : تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة تحدة تختلف باختلاف توارد الأحوال والأسماء فإن حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت إلى الله توجهاً كلياً سميت مطمئنة وإذا توجهت إلى الطبيعة توجهاً كلياً سميت أمارة وإذا توجهت تارة إلى الحق بالتقوى وتارة أخرى إلى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى.
وفي الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه، سأل رجل من جهينة أو مزينة رسول الله ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم أم شيء يستقبلونه فقال عليه السلام : بل قضى عليهم قال فيم العمل إذا يا رسول الله فقال عليه السلام من كان خلقه الله لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله عليه السلام، ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم أم شي يستقبلونه فقال عليه السلام : بل قضى عليهم قال ففيم العمل إذا يا رسول الله فقال عليه السلام من كان خلقه الله لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله عليه السلام يقول عند الآية اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها قد أفلح من زكاها} جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضاً عن اللام وإنما تركه الكشاف وغيره لأنه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جواباً لأن أقسام الله إنما يؤكد به الوعد أو الظفر وإدراك البغية وهو دنيوي كالظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز
٤٤٣
والبقاء مع الصحة ونحوها وأخروي وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش إلا عيش الآخرة وأصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع إذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضي الشاهد لأنه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق الله إلى الفقراء لما فيها من رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تميها بالخيرات والبكرات أولهما جميعاً فإن الخيرين موجودان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى النفس وأعلاها بالتقوى أي رفعها وأظهرها وشهرها بها فأهل الصلاح يظهرون أنفسهم ويشهرونها بما سطع من أنوار تقواهم إلى الملاء الأعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف أهل افسق فإنهم يخفون أنفسهم ويدسونها في المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد الله المقربين وأصل هذا إن أجواد العرب كانوا ينزلون في أرفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون أشهر واللئام ينزلون الأطراف والهضاب لتخفى أماكنهم عن الطالبين فأخفوا أنفسهم فالبار أيضاً أظهر نفسه بأعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير أيضاً كما قال في "القاموس" الزكاة صفوة الشيء وما أخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد أفلح من طهر نفسه من المخالفات الشرعية عقداً وخلقاً وعملاً وقولاً فقد أقسم تعالى بسبعة أشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيباً في تزكيتها.


الصفحة التالية
Icon