تفصيل لتلك السماعي المتشتتة وتبين لأحكامهما ﴿مَنْ أَعْطَى﴾ حقوق ماله ﴿وَاتَّقَى﴾ محارم الله التي نهى عنها ومن جملتها المن والأذى ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ بالخصلة الحسنى وهي الإيمان أو بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد أو بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام أو المثوبة الحسنى وهي الجنة ﴿فَسَنُيَسِّرُه لِلْيُسْرَى﴾ معنى التيسير التهيئة لا ما يقابل التعسير ومنه قوله كل ميسر لما خلق له فلا حاجة إلى أن يقال استعمل التيسير في العسرى على المشاكلة كما في قوله تعالى :﴿وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ﴾ أو على حسب قوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم يقال يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها واليسرى تأنيث الأيسر والمعنى فسنهيئه ونوفقه للخصلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة ومباديه وبالفارسية س زود باشدكه آساني دهيم ويرا براي طريقت نيكوكه سبب آسابي راحت باشد يعني عملي كه اورا به بهشت رساند.
فوصف الخصلة
٤٤٨
باليسرى مجاز باعتبار كونها مؤدية إلى اليسرى وفيه إشارة إلى أن من طهر نفسه بالطاعة بالإقبال على الله والإعراض عن الدنيا واتقى في عين تلك الطاعة عن نسبتها إلى نفسه وصدق في باطنه بالكلمة الحسنى فسنيسره للخصلة اليسرى وهي الوصول إلى حضرتنا العليا وسراد قاتنا الكبرى وإما من بخل} أي بماله فلم يبذله في سبيل الخير والبخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ زهد فيما عنده تعالى أي لم يرغب كأنه مستغن عنه فلم يتق أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة فلم يتق فيكون الاستغناء مستتبعاً لعدم الاتقاء الذي هو مقابل الاتقاء في الآية الأولى وبه يحصل التقابل بينهما ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ أي ما ذكر من المعانى المتلازمة ﴿فَسَنُيَسِّرُه لِلْعُسْرَى﴾ أي فسنهيئه للخصلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار ومقدماته لاختياره لها وبالفارسية س مهيا كردانيم مرورا براي صفتي كه مؤدي بدشوارى ومحنت بود يعني كردارى كه اورا بدوزخ برد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٤٧
ولعل تصدير القسمين بالإعطاء والبخل مع أن كلا مهما أدنى رتبة مما بعدهما في استتباع التيسير لليسرى والتيسر للعسرى للإيذان بأن كلا منهما أصيل فيما ذكر لا تتمة لما بعدما من التصديق والتقوى والتكذيب والاستغناء والظاهر أن السين للدلالة على الجزاء الموعود بمقابلة الطاعة والمعصية وهو يكون في الآخرة التي هي أمر متراخ منتظر فأدخلت السين وهي حرف التراخي ليدل بذلك على أن الوعد آجل غير حاضر كذا في بعض التفاسير وفيه إشارة إلى أن من بخل في نفسه بالطاعة والعبادة الروحية والسرية والقلبية واستغنى عن زقبال علينا وكذب بالحسنى التي أعطنياها إياه من سلامة الأعضاء والجوارح والجاه والمال فسنيسره للعسرى وهي البعد عنا الطرد واللعن ودخول نار الحجاب ﴿وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ﴾ أي شيئاً من العذاب فالمفعول محذوف أو أي شيء يغني عنه ماله الذي يبخل به أي لا يغنى شيئاً فما مفعول يغنى والاستفهام للإنكار ﴿إِذَا تَرَدَّى﴾ أي هلك ومات تفعل من الردى للمبالغة والردى كالعصا وهو الهلاك.
قال الراغب : الردى الهلاك والتردى التعرض للهلاك انتهى.
أو تردى وسقط في الحفرة إذا قبر أو تردى في قعر جهنم فالمال الذي ينتفع به الإنسان في الآخرة وقت حاجته هو الذي أعطى حقوقه وقدمه دون الذي بخل به وتركه لوارثه وفيه إشارة إلى أنه إذا تردى وتصدى لمخالفتنا وموافقته الطبيعة البشرية أي شيء له يخلصه من غضبنا وقهرنا عند نجلينا له بصورة القهر والنقمة ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ استئناف مقرر لما قبله أي إن علينا بموجب قضائنا المبنى على الحكم البالغة حيث خلقنا الخلق للعبادة أن نبين لهم طريق الهدى وما يؤدي إليه من طريق الضلال وما يؤدي إليه وقد فعلنا ذلك بما لا مزيد عليه حيث بينا حال من سلك كلا الطريقين ترغيباً وترهيباً ومن هنا تبين أن الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى البغية لا الدلالة الموصلة إليها قطعاً وإن المراد بالوجوب المفهوم من على الوجوب بموجب القضاء ومقتضى الحكمة فلا تكون الآية بظاهرها دليلاً على وجوب الأصلح عليه تعالى كما يزعم المعتزلة.
قال القاشني : إن علينا للهدى بالإرشاد إلينا بنور العقل والحس والجمع بين الأدلة العقلية
٤٤٩
والسمعية والتمكين على الاستدلال والاستبصار ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلاخِرَةَ وَالاولَى﴾ أي التصرف الكلى فيهما كيفما نشاء من الأفعال التي من جملتها ما وعدنا من التيسير لليسرى والتيسير للعسرى ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ﴾ خوفتكم بالقرآن وبالفارسية س بيم كنم شمارا.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٤٧