﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ تقرير لما قبله ووعد كريم بتيسير كل عسير له عليه السلام وللمؤمنين فاللام للاستغراق قال في "الكشاف" فإن قلت كيف تعلق قوله فإن مع العسر يسراً بما قبله قلت كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم فذكره ما أنعم الله به عليه من جلائل النعم ثم قال فإن مع العسر الخ كأنه قيل خولناك من جلائل النعم فكن على ثقة بفضل الله ولطفه فإن مع العسر يسرا كثيراً وفي كلمة مع إشعار بغاية سرعة مجيء اليسر كأنه مقارن للعسر وإلا فالظاهر ذكر كلمة المعاقبة لا أداة المصاحبة لأن الضدين لا يجتمعان بل يتعاقبان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦١
إن مع العسر و يسرش قفاست
شاد برآنم كه كلام خداست
وقال بعضهم : هذا عند العامة وأما عند الخاصة فالمعية حقيقية كما قيل :
برجانم از توهره رسد جاى منت است
كرناوك جفاست وكر خنر ستم
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر هي معية امتزاج لامعية مقارنة ولا تعاقب ولذلك كررها فلولا وجود اليسر في العسر لم يبق عسر لعموم الهلاك ولولا وجود العسر في اليسر لم يبق يسر وبضدها تتبين الأشياء ثم إن العسر يؤول كله إلى اليسر فقد سبقت الرحمة الغضب وذلك عناية من الله فإن ذلك قد يكون مصقلة وجلاء لقلوب الأكابر وتوسعة لاستعدادهم فتتسع لتجلي الحضرة الإلهية وكما أن حظهم من الملائم أوفر فكذلك غير الملائم قال عليه السلام أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ولذلك قال تعالى :[غافر : ٦٠-٦]﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وقال عليه السلام : إن الله يحب الملحين في الدعاء وفي تعريف العسر وتنكير اليسر إشارة لطيفة إلى أن الدنيا دار العسر فالعسر عند السامع معلوم معهود واليسر مجهول منهم إن مع العسر يسرا} تكرير للتأكيد أو عدة مستأنفة بأن العسر مشفوع بيسر آخر
٤٦٣
كثواب الآخرة كقولك إن للصائم فرحتين أي فرحة عند الأفطار وفرحة عند لقاء الرب وعليه قوله عليه السلام :"لن يغلب عسر يسرين" أي لن يغب عسر الدنيا يسرى الدنيا والآخرة فإن المعرف إذا أعيد يكون الثاني عين الأول سواء كان معهودا أو جنساً وإما المنكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالأول قال ابن الملك في شرح المنار المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى كالعسرين في قوله تعالى :[الأنعام : ١٤٣-٧]﴿فَإِنَّ مَعَ﴾.
إلخ وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين قال فخر الإسلام في جعل لآية من هذا القبيل نظر لأنها لا يحتمل هذا المعنى كما لا يحتمل قولنا إن مع الفارس رمحا إن مع الفارس رمحا أن يكون معه رمحان بل هذا من باب التأكيد.
فإن قلت : فإذا حمل على التأكيد فما وجه قول ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت : كأنه قصد باليسرين ما في قوله يسراً من عنى التفخيم فيتناول يسر الدارين وذلك يسران في الحقيقة انتهى.
قال بعضهم : إن مع عسر المجاهدة يسر المشاهدة ومع عسر الانفصال يسر الاتصال ومع عسر القبض يسر البسط والعسر الواحد هو الحجاب واليسران كشف الحجاب ورفع العتاب فإذا فرغت} أي من التبليغ أو من المصالح المهمة الدنيوية ﴿فَانصَبْ﴾ النصب محركة التعب أي فاجتهد في العبادة واتعب شكراً لما أوليناك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآتية وبه ارتبطت الآية بما قبلها ويجوز أن يقال فإذا فرت من تلقى الوحي فانصب في تبليغه.
وقال الحسن رحمه الله : إذا كنت صحيحاً فاجعل فارغك نصباً في العبادة كما روى أن شريحاً مر برجلين يتصارعان وآخر فارغ، فقال ما أمر بهذا إنما قال الله فإذا فرغت فانصب وقعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وعن عمر رضي الله عنه إن لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سهلاً لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته فلا بد للمرء أن يكون في عمل مشروع دائماً فإذا فرغ من عمل اتبعه بعمل آخر وقال قتادة والضحاك : فإذا فرغت من الصلاة فنصب في الدعاء.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦١
وأبو مدين مغربي قدس سره در تأويل اين آيت فرموده كه ون فارغ شوى از مشهده اكون نصب كن دل خوداراباي مشاهده جمال رحمن.
قال في "الكشاف" ومن البدع ما روى عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب علياً للإمامة ولو صح هذا للرافضة لصح للناصي أن يقرأ هكذا ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض على وعداوته ﴿وَإِلَى رَبِّكَ﴾ وحده ﴿فَارْغَب﴾ أصل الرغبة السعة في الشيء يراد بها السعة في الإرادة فإذا قيل رغب فيه وإليه يقتضى الحرص عليه وإذا قيل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه وفي "القاموس" رغب فيه كسمع رغباً ويضم رغبة إراده وعنه لم يرده وإليه رغباً محركة ابتهل أو هو الضراعة والمسألة والمعنى فارغب بالسؤال ولا تسأل غيره فإنه القادر على إسعافك لا غيره.