حواشي ابن الشيخ إن الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولاً إلى المشركين لو قال له [العلق : ١]﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى﴾ لا شريك له لا بوا أن يقبلوا ذلك منه لكنه تعالى قدم في ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به حيث أمر رسوله أن يقول لهم إنهم هم الذين خلقوا من العلقة ولا يمكنهم إنكاره ثم أن يقول لهم لا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم أن يضيقوا ذلك الفعل إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه فبهذا التدريج يقرون بأني أنا المستحق للثناء دون دون الأوثان لأن الإهية موقوفة على الخالقية ومن لم يخلق شيئاً كيف يكون الها مستحقاً للعبادة ومن هذه الطريقة ما يحكى أن زفر لما بعثه أبو حنيفة رحمه الله إلى البصرة لتقرير مذهبه فيهم فوصل إليهم وذكر أبا حنيفة منعوه ولم يلتفوا إليه فرجع إلى أبي حنيفة وأخبره بذلك فقال له أبو حنيفة إنك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع إليهم واذكر في المسألة أقاويل أئمتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك ههنا قول آخر فاذكر قولي وحجتي فإذا تمكن ذلك في قلبهم فقل هذا قول أبي حنيفة فإنهم حينئذٍ يستحسنونه فلا يردونه اقرأ} أي افعل ما أمرت به وكرر علامة الأمر بالقراءة تأكيداً للإيجاب وتمهيداً لما يعقبه من قوله تعالى ﴿وَرَبُّكَ الاكْرَمُ﴾ الخ فإنه كلام مستأنف ولذا وضع السجاوندي علامة الوقف الجائز على خلق وارد لإزاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله ما أنا بقارىء يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل له وربك الذي أمرك بالقراءة مبتدئاً باسمه وهو الأكرم أي الزائد في الكرم على كل كريم فإنه ينعم بلا غرض ولا يطلب مدحاً أو ثواباً وتخلصاً من المذمة وأيضاً أن كل كريم إنما أخذ الكرم منه فكيف يساوي الأصل.
وقال ابن الشيخ : ربك مبتدأ والأكرم صفته والذي مع صلته خبر ﴿الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ أي علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارىء بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهاما وقال بعضهم علم الخط بالقلم والقلم ما يكتب به لأنه يقلم ويقص ويطع وفيه امتنان على الإنسان بتعليم علم الخط والكتابة بالقلم ولذلك قيل العلم صيد والكتابة قيده وقيل :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٠
وما من كاتب إلا سيبلى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
ولولا القلم ما استقامت أمور الدين والدنيا وفيه إشارة إلى القلم الأعلى الذي هو أول موجود وهو الروح النبوي عليه السلام فإن الله علم القلب بواسطه ما لم يعلم من العلوم التفصيلية.
قال كعب الأحبار أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام، قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في الطين ثم طبخه فاستخرج إدريس ما كتب آدم وهذا هو الأصح وأما أول من كتب خط الرمل فإدريس عليه السلام وأول من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس وأول من اتخذ القراطيس يوسف عليه السلام، قال السيوطي رحمه الله أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ما هو كائن إلى يوم
٤٧٣
القيامة وأول ما كتب القلم أنا التواب أتوب على من تاب.
قال بعضهم وجه المناسبة بين الخلق من العق وتعليم القلم أن أدنى مراتب الإنسان كونه علقة وأعلاها كونه عالماً فالله تعالى امتن على الإنسان بنقله منأدنى المراتب وهي العلقة إلى أعلاها وهو تعلم العلم ثم الله الذي خلق الإنسان على صورته الحقيقية خلقه من علقة النجلى الأولى الحبي المشار إليه بقوله كنت كنزاً مخفياً أحببت أنأعرف فخلقت الخلق فصارت المحبة الذاتية علقة بالإيجاد الحبي وهو أكرم الأكرمين إذ هو جاع محيط بجميع الأسماء الدالة على الكرم كالجواد والواهب والمعطى والرازق وغيرها ﴿عَلَّمَ الانسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ بدل اشتمال من علم بالقلم وتعيين للمفعول أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية واخفية ما لم يخطر بباله أصلاً.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٠