فإن قلت : فإذا كان القلم والخط من المن الإلهية فما باله عليه السلام لم يكتب قلت لأنه لو كتب لقيل قرأ القرآن من صحف الأولين ومن كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج إلى تصوير الرسوم وتشكيل اعلوم بآيات الجسمانية لأن الخط صنعة ذهينة وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية وفيه إشارة بديعة إلى أن أمته بين الأمم هم الروحانيون وصفهم سبحانه في الإنجيل أمة محدم أناجيلهم في صدورهم لو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه عليه السلام بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعدادتهم ﴿كَلا﴾ ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يسبق ذكره للمبالغة في الزجر فيوقف عليه وقال السجاوتدي يوقف على ما لم يعلم لأنه بمعنى حقاً ولذا وضع علامة الوقف عليه ﴿إِنَّ الانسَـانَ لَيَطْغَى﴾ أي يتجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل إن هذا إلى آخر السورة نزل في أبي جهل بعد زمان وهو الظاهر ﴿أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى﴾ مفعول له أي يطغى لأن رأى وعلم نفسه مستغنياً أو أبصر مثل أبي جهل وأصحابه ومثل فرعون ادعى الربوبية.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان أما طالب العلم فيزداد في رضي الله وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء للإيذن بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل فقال إن شئت فلنا ذلك ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة فكف رسول الله عن الدعاء إبقاء عليهم ورحمة وأول هذه السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال وكفى بذلك رغباً في العلم والدين ومنفراً عن المال والدنيا وكان عليه السلام يقول : اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغى وفقر ينسى.
وفيه إشارة إلى أن الإنسان إذا رأى نفسه مظهر بعض صفات ربه وأسمائه دعها لنفسه ويظن أن تلك الصفات والأسماء الإلهية المودعة فيه بحكمة بالغة ملك له وهو مالكها فيعجب بها وبكمالاتها فيستغنى عن مالكها الذي أودعها فيه ليستدل بها على خالقه وبارئه ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ الرجعى مصدر بمعنى الرجوع والألف للتأنيث أي إن إلى مالك أمرك أيها الإنسان رجوع الكل بالموت
٤٧٤
والبعث لا إلى غيره استقلالاً أو اشتراكاً فسترى حينئذٍ عاقبة طغيانك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٠
وآنجاهمه را عمل بكار آيدنه أموال
توانكرى نه بما لست نزد اهل كمال
كه مال تالب كورست وبدع ازان أعمال
﴿أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ الاستفهام للتعجيب والرؤية بصرية والخطاب لكل من يأتتى منه الرؤية وتنكير عبداً لتفخيمه عليه السلام كأنه قيل : ينهى أكمل الخلق في العبودية عن عبادة ربه والعدول عن ينهاك إلى ينهى عبداً دال على أن النهي كان للعبد عن إقامة خدمة مولاه ولا أقبح منه روى أن أبا جهل قال في ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمداً يصلى لأطأن عنقه وفي التكملة نهى محمداً عن الصلاة وهم أن يلققى على رأسه حجراً فرآه في الصلاة وهي صلاة الظهر فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا وأجنحة فنزلت والمراد أجنحة الملائكة أبصر اللعين الأجنحة ولم يبصر أصحابها فقال عليه السلام، والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً وكان أبو جهل يكنى في الجاهلية بأبي الحكم لأنهم كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة ثم سمى أبا جهل في الإسلام.