يعني أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين والعر تضيف الشيء إلى نعته كثيراً ونجد هذا في القرآن في ماضع منها قوله والدار الآخرة وقال في موضع وللدار الآخرة لأن الدار هي الآخرة وقال عذاب الحريق أي المحرق كالأليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجد الجامع ومسجد الحرام وأدخلك الله جنة الفردوس هذا وأمثاله وأنث اليمة لأن الآيات هائية فرد الدين إلى الملة كما في "كشف الأسرار" والقيمة بمعنى المستقيمة التي لا عوج فيها وقال الراغب : القيمة هنا اسم الأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله كتم خير أمة قال ابن الشيخ بعض أهل الأديان لما بالغوا في باب الأعمال من غير أحكام الأصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فإنهم ربما أتعبوا أنفسهم في الطاعات ولكنهم ما حصلوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد المطابق وبعضهم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع وهم المرئجة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الإيمان فالله تعالى خطأ الفريقين في هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص في قوله مخلصين ومن العمل في قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستيمة المعتدلة فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ بيان لحالهم الأخروي بعد بيان حالهم الدنيوي وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة في الكتاب بهم ومعنى كونهم فيها إنهم يصرون إليها يوم القيامة وإيراد الجملة الاسمية للإيذان بتحقق مضمونها لا محالة أو أنهم فيها الآن إما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها وإما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار إلا أنها ظهرت في هذه النشاة بصورة عرضية وستخلعها في النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية ﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ حال من المستكن في الخبر واشتراك الفريقين في دخول دار العذاب بطريق الخلود لأجل كفرهم لا ينافي تفاوت عذابهم في الكيفية فإن جهم دركات وعذابها ألوان فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة وأهل الكتاب نبوة محمد عليه السلام، فقط فكان كفرهم أخف من كفر المشركين لكنهم اشتركوا في أعظم الجنايات التي هي الكفر فاستحقوا أعظم العقوبات وهو الخلود ولما كفروا طلباً للرفعة صاروا إلى سفل السافلين فإن جهنم نار في موضع عميق مظلم هائر يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر واشتراكهم في هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم في نوعه
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٨٦
﴿أولئك﴾ البعداء المذكورون ﴿هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ ابرية جميع الخلق لأن الله برأهم أي أوجدهم بعد العدم
٤٨٩
والمعنى شر الخليقة أي مالاً وهو الموافق لما سيأتي في حق المؤمنين فيكون في حيز التعليل لخلودهم في النار أو شرهم مقاماً ومصيراً فيكون تأكيداً لفظاعة حالهم وتوسيط ضمير الفصل لأفادة الحصر أي هم شر البرية دون غيرهم كيف لا وهم شر من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله نعوت محمد عليه السلام وشر من قطاع الطرق لأنهم قطعوا الدين الحق على الخلق وشر من الجهال الأجلاف لأن الكفر مع العلم يكون كفر عناد فيكون أقبح من كفر الجهال وظهر منه أن وعيد العلماء السوء أعظم من وعيد كل أحد ومن تاب منهم وأسلم خرج من الوعيد وقيل لا يجوز أن يدخل في الآية ما مضى من الكفار لأن فرعون كان شراً منهم وإما الآية الثانية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم تأخر لأنهم أفضل الأمم والبرية مخففة من المهموز من برا بمعنى خلق فهو البارىء أي الموجد والمخترع من العدم إلى الوجود وقد قرأ نافع وابن ذكوان على الأصل ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ يفهم من مقابلة الجمع بالجمع أنه لا يكلف الواحد بجميع الصالحات بل لكل مكلف حظ فحظ الغنى الإعطاء وحظ الفقير الأخذ والصبر والقناعة ﴿أولئك﴾ المنعوتون بما هو في الغاية القاصية من الشرف والفضيلة من الإيمان والطاعة ﴿هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ استدل بالآية على أن البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بقوله إن الذين آمنوا هو البشر والبرية يشمل الملك والحق سئل الحسن رحمه الله عن قوله أولئك هم خير البرية أهم خير من الملائكة قال ويلك وإني تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ملائك راه سود از حسن طاعت
و فض عشق برآدم فرو ريخت
﴿جَزَآؤُهُمْ﴾ بمقابلة مالهم من الإيمان والطاعات وهو مبتدأ ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ ظرف للجزاء ﴿جَنَّـاتُ عَدْنٍ﴾ أي دخول جنات عدن وهو خبر المبتدأ والعدن الإقامة والدوام وقال ابن مسعود رضي الله عنه عدن بطنان الجنة أي وسطها ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ ميرود از زير أشجار آن ويهاه بستان بي آب روان نشايد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٨٦


الصفحة التالية
Icon