قال في الهداية ومن حرم على نفسه شيئاً مما يملكه لم يصر محرماً وعليه إن استباحه وأقدم عليه كفارة فتحريم الحلال يمين عند أبي حنيفة رحمه الله ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فإذا حرم طعاماً فقد خلف على أكله أو أمة فعلى وطئها قال ابن عباس رضي الله عنهما التحريم هو اليمين فلو قال لامرأته أنت على حرام فلو نوى الطلاق طلقت وإن نوى اليمين كان يميناً وإن أراد الكذب لم يقع شيء وكذا لو حرم طعاماً على نفسه ونوى اليمين كان يميناً خلافاً للشافعي كما في عين المعاني وقال بعضهم لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنه قال لما أحله الله هو حرام على وإنما امتنع عن مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك أي لم تمنع منه بسب اليمين يعني أقدم على ما حلفت عليه وكفر عن يمينك وظاهر قوله تعالى :﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ﴾ فإن قلت هل كفر رسول الله لذلك قلت عن الحسن البصري قدس سره : إنه لم يكفر لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين وعن مقاتل إنه أعتق رقبة في تحريم مارية وعاودها لأنه لا ينافي كونه مغفوراً له أن يكفر فهو والأمة سواء في الأحكام ظاهراً والله مولاكم} سيدكم ومتولى أموركم ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بما يصلحكم فيشرعه لكم ﴿الْحَكِيمُ﴾ المتقن في أفعاله وأحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا حسبما تقتضيه الحكمة ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ﴾ الأسرار خلاف الإعلان ويستعمل في الأعيان والمعاني والسر هو الحديث المكتمم في النفس وأسررت إلى فلان حديثاً أفضيت به إليه في
٥٠
خفية فالأسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه بالسر وإن كان يقتضي إخفاءه من غيره فإذا قولهم أسررت إلى فلان يقضتي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء والنبي رسول الله عليه السلام فإن اللام للعهد وإذ ظرف أي اذكر الحادث وقت الأسرار والأكثر المشهور إنه مفعول أي واذكر يا محمد وقت أسرار النبي وإخفائه على وجه التأنيب والتعتب أو واذكروا أيها المؤمنون فالخطاب إن كان له عليه السلام، فالإظهار في مقام الإضمار بأنقيل وإذ أسررت للتعظيم بإيراد وصف ينبىء عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه وإن كان لغيره عموماً على الاشتراك أو خصوماً على الإنفراد فذكره بوصف النبي للإشعار بصدقه في دعوى النبوة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧
﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ وهي حفصة رضي الله عنها تزوجها النبي عليه السلام، في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهرين وكان ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبنى البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله أيضاً أبو هريرة وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وأبو حفص أبوها عمر رضي الله عنه كناه به رسول الله عليه السلام، والحفص ولد الأسد ﴿حَدِيثًا﴾ قال الراغب كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له حديث والمراد حديث تحريم مارية أو العسل أو أمر الخلافة قال سعدي المفتي فيه إن تحريم العسل ليس مما أسر إلى حفصة بل كان ذلك عند عائشة وسودة وصفية رضي الله عنهن ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ أي أخبرت حفصة صاحبتها التي هي عائشة بالحديث الذي أسره إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأفشته إليها ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أي أطلع الله النبي على إفشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل فالضمير راجع إلى الحديث بتقدير المضاف وأظهر ضمن معنى اطلع من ظهر فلان السطح إذا علاه وحقيقته صار عى ظهره وأظهره على السطح أي رفعه عليه فاستعير للإطلاع على الشيء وهو من باب الأفعال بمعنى بررسانيدن كسى را برنهاني وديده وركدانيدن.
قال الراغبي : ظهر الشيء أصله أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيحقي ثم صار مستعملاً في كل بارز للبصر والبصيرة ﴿عَرَّفَ﴾ ألتبي حفصة والتعريف بالفارسية بيا كاهيدن ﴿بَعْضَهُ﴾ أي بعض الحديث الذي أفشته إلى صاحبتها على طريق العتاب بأن قال لها ألم أك أمرتك أن تكتمي سرى ولا تبديه لأحد وهو حديث الإمامة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧