روى) أنه عليه السلام لما عاتبها قالت والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحاً بالكرامة التي خص الله بها أباها وبعض الشيء جزء منه ﴿وَأَعْرَضَ عَنا بَعْضٍ﴾ أي عن تعريف بعض تكرماً وهو حديث مارية وقال بعضهم : عرف تحريم الأمة واعرض عن تعريف أمر الخلافة كراهة أن ينتشر ذلك في الناس وتكرماً منه وحلماً وفيه جواز إظهار الشيوخ الفراسة والكرامات لمريديهم لتزيد رغبتهم في الطريقة وفيه حث على ترك الاستقصاء فيما جرى من ترك الأب فإنه صفة الكرام قال الحسن البصري قدس سره : ما استقصى كريم قط وقال بعضهم : ما زال التغافل من فعل الكرام ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ أي أخبر النبي حفصة بالحديث الذي أفشته بما أظهره الله عليه من أنها أفشت سره
٥١
﴿قَالَتْ مَنْ أَنابَأَكَ هَـاذَا﴾ من أخبرك عني هذا تعني إفشاءها للحديث ظنت أن عئاشة أخبرته وفيه تعجب واستبعاد من أخبار عائشة بذلك لأنا أوصتها بالكتم ولم يقل من بنأك ليوافق ما قبله للتفنن ﴿قَالَ﴾ النبي عليه السلام ﴿نَبَّأَنِىَ﴾ بفتح ياء المتكلم ﴿الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ الذي لا يخفى عليه حافية فسكتت وسلمت وبنأ أيضاً من قبيل التفنن يقال : إن أنبأ ونبأ يتعديان إلى مفعولين إلى الأول بنفسهما وإلى الثاني بالباء رقد يحذف الأول للعلم به وقد يحذف الجار ويتعدى الفعل إلى الثاني بنفسه أيضاً، فقوله تعالى :﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ وقوله : فلما نبأت به على الاستعمال الثاني وقوله : من أنبأك على الاستعمال الثالث وقوله : العلم هو ولعالم والعلام من أسمائه سبحانه ومن أدب من علم إنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحي منه ويكف عن معاصيه ولا يغتر بجميل ستره ويحشى بغتات قهره ومفاجأة مكره وعن بعضهم إنه قال : كنت جائعاً، فقلت لبعض معارفي إني جائع فلم يطعمني شيئاً فمضيت فوجدت درهماً ملقى في الطريق فرفعته فإذا عليه متكوب إما كان الله عالماً بجوعك حتى طلبت من غيره والخبير بمعنى العليم، وقال الامام الغزالي قدس سره إذا اعتبر العلم المطلق فهو العليم مطلقاً وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو البخير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد وإذا علم العبد إنه تعالى خبير بأفعاله مطلع على سره علم إنه تعالى أحصى عليه جميع ما عمله أو أخفى في عمله وإن كان هو قد نسيه فيخجل حجلاً يكاد يهلكه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧
حكى) أن رجلاً تفكر يوماً فقال عمري كذا كذا سنة يكون كذا كذا شهراً يكون منها كذا كذا يوماً فبلغ عمره من الأيام ألوفاً كثيرة فقال لو لم اعص الله كل يوم إلا معصية واحدة لكان في ديوان عملي كذا كذا ألف معصية وإني في كل يوم عملت كثيراً من المعاصي ثم صاح وفارق الدنيا.
(يقول الفقير) :
مذنبم كره ولى رب غفوريم كرست
بمن افناده دهد از كرمش شايد دست
أن تتوبا إلى الله} خطاب لحفصة وعائشة رضي الله عنهما فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الخطاب لكن العتاب يكون للأولياء كما أن العقاب يكون للأعداء كما قيل :
إذا ذهب العتاب فليس ود
ويبقى الود ما بقي العتاب
ففيه إرادة خير لحفظة وعائشة بإرشادهما إلى ما هو أوضح لهما ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ الفاء للتعليل كما في قولك اعبد ربك فالعبادة حق وإلا فالجزاء يجب أن يكون مرتباً على الشرط مسبباً عنه وصغو قلبيهما كان سابقاً على الشرط وكذا الكلام في وان تظاهرا الخ والمعنى فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجبع عليكما من مخالصة رسول الله وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه من صغا يصغو صغواً مال وأصغى إليه مال يسمعه قال الشاعر :
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٥٢ حتى ص٦٢ رقم٦
تصغى القلوب إلى اغر مبارك
من آل عباس بن عبد المطلب
وجمع القلوب لئلا يجمع بين تثنيتين في كلمة فرارا من اجتماع المتجانسين وربما جمع
٥٢


الصفحة التالية
Icon