جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٢
يعني الصدر بسكون الدال الرجوع والاسم بالتحريك ومنه طواف الصدر وهو طواف الوداع ﴿أَشْتَاتًا﴾ يقال جاؤوا أشتاتاً أي متفرقين في النظام واحدهم شت بالفتح أي متفرق ونصب على الحال أي حال كونهم متفرقين بيض الوجوه والثياب آمنين ينادي المنادي بين يديه هذا ولي الله وسود الوجوه حفاة عراة مع السلاسل والأغلال فزعين والمنادى ينادي بين يديه هذا عدو الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبرائيل عليه السلام، جاء إلى النبي عليه السلام، يوماً فقال يا محمد
٤٩٣
إن ربك يقرئك السلام وهو يقول ماي أراك مغموماً حزيناً وهو أعلم به فقال عليه السلام يا جبرائيل قد طال تفكري في أمر أمتي يوم القيامة قال يا محمد في أمر أهل الكفر أم في أمر أهل الإسلام، قال : يا جبرائيل لا بل في أمر أهل لا إله إلا الله، قال : فأخذ بيده حتى أقامه على مقبرة بني سلمة فضرب بجناحه الأيمن على قبر ميت فقال : قم بإذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله الحمد رب العالمين فقال له جبرائيل عد فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الأيسر على قبر ميت فقال قم بإذن الله فخرج رجل مسود الوجه أزرق العين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه واسوأتاه فقال له جبريل عد فعاد كما كان ثم قال جبرائيل هكذا يبعثون يوم القيامة على ما ماتوا عليه ﴿لِّيُرَوْا﴾ الام متعلقة بيصدر ﴿أَعْمَـالَهُمْ﴾ أي جزاء أعمالهم خيراً كان أو شراً وإلا فنفس الأعمال لا يتعلق بها الرؤية البصرية إذا الرؤية هنا ليست علمية لأن قوله فمن يعمل الخ تفصيل ليروا والرؤية فيه بصرية لتعديتها إلى مفعول واحد اللهم إلا أن يجعل لها صور نورانية أو ظلمانية أو يتعلق الرؤية بكتبها كما سيجيء ﴿فَمَنْ﴾ س هركه ﴿يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ تفصيل ليروا والمثقال الوزن والذرة النملة الصغيرة أو ما يرى في شاع الشمس من الهبال وقال ابن عباس رضي الله عنهما إذا وضعت راحتك أي يدك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزقى بها من التراب ذرة وقال يحيى بن عمار حبة الشعير أربع أرزات والأرزة أربع سمسمات والسمسمة أربع خردلات والخردلة أربعة أوراق نخالة وورق النخالة ذرة ومعنى رؤية ما يعادل الذرة من خير وشر إما مشاهدة أجزيته فمن الأولى مختصة بالسعداء والمخصص قوله أشتاتاً أي فمن يعمل من السعداء مثقال ذرة خيراً يره والثانية بالأشقياء بقرينة أشتاتاً أيضاً أي ومن يعمل من الأشقياء مثقال ذرة شراً يره وذلك لأن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن المجتنب عن الكبائر معفوة وما قيل من أن حسنة الكاف تؤثر في نقص العقاب فقد ورد أن حاتماً الطائي يخفف الله عنه لكرمه وورد مثله في أبي طالب وغيره يرده قوله تعالى :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٢
﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ وقوله عليه السلام : في حق عبد الله بن جدعان لا ينفعه لأنهلم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين وذلك حين قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه وقوله عليه السلام في حق أبي طالب ولولا إنا كنا في الدرك الأسفل من النار فتلك الشفاعة مختصة به وإما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم وإما مشاهدة نفسه من غير أن يعتبر معه الجزاء ولا عدمه بل يفوض كل منهما إلى سائر الدلائل الناطقة بعفو صغائر المؤمن المجتنب عن الكبائر وإثابته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه فالمعنى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله إياه إما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته وإما الكافر فيرد حسناته تحسيراً له وفي تفسير البقاعي الكافر يوقف على ما عمله من خير على أنه جوزى به في الدنيا أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ويقوي حزنه وأسفه
٤٩٤
والمؤمن يراه ليشتد سروره به وفي جانب الشر يراه المؤمن ويعلم أنه قد غفر له فيكمل فرحه والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه.