﴿كَلا﴾ ردع عما هم فيه من التكاثر أي ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء من فضل الإنسان وسعادته بكثرة أعوانه وقبائله وأمواله أي ارتدعوا عن هذا وتنبهوا من الخطا فيه وتنبيه على
٥٠٢
أن العاقل ينبغي أن لا يكون معظم همه مقصوراً على الدنيا فإن عاقبة ذلك وبال وحسرة ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو إنذار وتخويف ليخافوا وينتهبوا من غفلتهم قال الحسن رحمه الله، لا يغرنك كثرة من ترى حولك فإنك تموت حدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك ﴿ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تأكيد لتكيرير الردع والإنذار وفي ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول لأن فيه تأكيداً خلا عنه الأول وٌّ فيه تنزيلاً لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالاً للفظ ثم في مجرد التدرج في درج الارتقاء كما تقول للمنصوخ أقول لك ثم أقول لك لا نفعل أو الأول عند الموت في وقت ما بشر به المحتضر من جنة أو ناراً وفي القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثاني عند النشور حين ينادي المنادي شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم أيها المجرمون فعلى هذا لا تكرير في الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زماني العلمين وبتعلقيهما فإنه يلقى في كل واحد من الزمانين نوعاً آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشورو كذا ما بين القبور والنشور وعن علي رضي الله عنه ما زلنانشك في عذاب القبر حتى نزلت السورة إلى قوله تعالى :﴿ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي سوف تعلمون في القبر ثم في القيامة وفي الحديث يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لو إن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء كلا} تكرير للتنبيه تأكيداً ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ جواب لو محذوف للتهويل فإنه إذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر أضيف إلى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفه لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين أي لو علتم ما تستيقنونه فعلتم ما لا يوصف ولا يكبنه ولكنكم ضلال جهلة فاليقين بمعنى المتيقن به كمال التيقن حتى كأنه عين اليقين وإلا فيلزم إضافة أحد المترادفين إلى الآخر إذ العلم في اللغة بمعنى اليقين حتى كأنه عين اليقين وإلا فيلزم إضافة أحد المترادفين إلى الآخر إذا العلم في اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من إضافة العام إلى الخاص بناء على أن اليقين أخص من العلم فإن العلم قد يعم الظن واليقين فتكون إضافته كإضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠١
﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ جواب قسم مضمراً كدبة الوعيد حيث إن ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد وأوضح به ما أنذروه بعد إبهامه تفخيماً ولا يجوز أن يكون جواب لو لأن رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى إنكم لا ترونها لكونكم جهالاً وهو غير صحيح وقال بعضهم : يصح أن يكون جواباً فيكون المعنى سوف تعلمون الجزاء ثم قال لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعني يكون الجحيم دائماً في نظركم لا يغيب عنكم أصلاً ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا﴾ تكرير للتأكيد أو الأولى إذا رأوها من كان بعيد ببعضخ واصها وأحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية إذا أوردوها فإن معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها أجلى وأكشف من الرؤية الأولى فعلى هذا يتنازع الفعلان في "عين اليقين" أو المراد بالأول المعرفة وبالثانية
٥٠٣


الصفحة التالية
Icon