قوله مأكول يوقف عليه ثم يكبر ولا يوصل حذراً من الإيهام.
٥١٨
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٠
تفسير قريش
أربع آيات مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٨
﴿لايلَـافِ قُرَيْشٍ﴾ متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما في الكلام من معنى اشرط إذ المعنى أن نعم الله عليهم غير محصورة فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة فالإيلاف تعدية الألف مصدر من المبني للمفعول مضاف إلى مفعوله الأول مطلقاً عن المفعول الثاني هو الرحلة كما قيد به في الإيلاف الثاني يقال ألفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والإيلاف لازماً ويقال أيضاً آلفته غيري بالمد أي ألزمته إياه وجعلته يألفه فيكون متعدياً قال في تاج المصادر الإيلاف ألف دادن وألف كرفتن.
وضد الإيلاف والإيناس هو الإيحاش وقيل متعلق بما قبله منقوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده إنهما في مصحف أبي رضي الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الإيلاف بمعنى الألف اللازم فالمعنى أهلك الله من قصدهم من الحبشة لأن يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا إيهما ويثبتوا عليهما متصلاً لا منقطعاً بحيث إذ فرغوا من ذه أخذوا في ذه وبالعكس وذلك لأن الناس إذا تسامعوا بذلك الإهلاك تهيبوا لهم زيادة تهيب واحترموهم فضل احترام فلا يجترىء عليهم أحد فينتظم لهم إلا من في رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشأم فيمتارون ويتجرون وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك إن قريشاً إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا إلى أنفسهم خباء حتى يموتوا وكانوا على ذلك إلء أن جاء هاشم به عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيباً في قريش فقال إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتذلون وأنتم أهل حرم الله وأشرف ولد آدم ولناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فلسي عليك من خلاف فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشأم لأن بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرائنهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الإسلام وهم على ذلك فلم يكن في العرب بنوا أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كننة ومن لم يلده فلسي بقرشي سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق إلا بالنار فشبهوا بها لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكأنه قيل قريش عظيم وقال بعضهم : الأوجه أن التصغير على حقيقه لأنه إذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشاً فهو لام حالة قريش وفيه إن جعل قريش قريشاً لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المؤكولية ووصف الغلبة وعدم الملوبية وهذان الوصفان يوجد أن في تلك الدابة على وجه الكمال
٥١٩
فلا معنى للتصغير إلا التعظيم قال الزمخشري : سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بني شيبة يصف لي القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا إلى الكعبة ومن شأنه يتعرض للسفن الكبار فلا يرده شيء إلا يأخذ أهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شيء عنده قليل إلى النار وبه سميت قريش قال الشاعر :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٩
وقريش هي التي تسكن البحر
بها سميت قريش قريشاً
تأكل الغث والسمين ولا تترك
فيه لذي جناحين ريشاً
هكذا في البلاد حتى قريش
يأكلون البلاد أكلاً كميشاً
ولهم آخر الزمان نبي
يكثر القتل فيهموا والخموشا