تفسير سورة النصر
ثلاث آيات مدنية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٢٧
إذ جاء نصر الله} أي أعانته تعالى وإظهاره إياك على أعدائك فإن قلت لا شك إن ما وقع من الفتوح كان بنصرة المؤمنين فما وجه أضافتها إلى الله قلت لأن أفعالهم مستندة إلى دواعي قلوبهم وهي أمور حادثة لا بد لها من محدث وهو الله تعالى فالعبد هو المبدأ الأقرب والله هو المبدأ الأول والخالق للدواعي وما يبتني عليها من الأفعال والعامل في إذا هو سبح أيفسبح إذا جاء نصر الله ولا يمنع الفاء عن العمل على قول الأكثرين أو فعل الشرط وليس إذا مضافاً إليه على مذهب المحققين وإذا لما يستقبل واوَلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة لما روى أن السورة نزلت قبل فتح مكة كما عليه الأكثر ﴿وَالْفَتْحُ﴾ أي فتح مكة على أن الإضافة واللام للعهد وهو الفتح الذي تطمح إليه الأبصار ولذلك سمى فتح الفتوح ووقع الوعد به في أول سورة الفت وقد سبقت قصة الفتح في تلك السورة وقيل جنس نصر الله ومطلق الفتح على أن الإضافة واللام للاستغراق فإن فتح مكة لما كان مفتاح الفتوح ومناطها كما أن نفسها أم القرى وأمامها جعل مجيئه بمنزلة مجيء سائر الفتوح وعلق به أمره عليه السلام وإنهما على جناح الوصول إليه عن قريب ويمكن أن يقال التعبير للإشارة إلى حصول نصر الله بمجيء جند بهم النصر وقيل نزلت السورة في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع وعاش عليه السلام بعدها ثمانين يوماً أو نحوها فكلمة إذا حينئذٍ باعتبار أن بعض ما في حيزها أعني رؤيته دخول الناس.
الخ.
غير منقض بعد وقال سعدى المفتي وعلى هذه الرواية فكلمة إذا تكون خارجة عن معنى الاستقبال فإنها قد تخرج عنه كما قيل في قوله تعالى :[الجمعة : ١١-٥]﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً﴾ الآية وفي المصطلحات إن الفتوح كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقاً عليه من النعم الظاهرة والباطنة كالأرزاق والعبادات والعلوم والمعارف والمكاشفات وغير ذلك والفتح القريب هو ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار إليه بقوله نصر من الله
٥٢٨
وفتح قريب والفتح المبين هو ما يفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المفنية لصفات القلب وكمالاته المشار إليه بقوله : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر يعني من الصفات النفسانية والقلبية والفتح المطلق هو أعلى الفتوحات وأكملها وهو ما انفتح على العبد من تجلى الذات الأحدية والاستغراق في عين الجمعب فناء الرسوم الخلقية كلها وهو المشار إليه بقوله : إذا جاء نصر الله والفتح انتهى.
وقد سبق بعبارة أخرى في سورة الفتح وعلى هذا فالمراد بالنصر هو المدد الملكوتي والتأييد القدسي بتجليات الأسماء والصفات وبالفتح هو الفتح المطلق الذي لا فتح وراءه وهو فتح باب الحضرة الإلهية الأحدية والكشف الذاتي ولا شك إن الفتح الأول هو فتح ملكوت الأفعال في مقام القلب بكشف حجاب حس النفس بإفناء أفعالها في أفعال الحق والثاني هو فتح جبروت الصفات في مقام الروح بكشف حجاب خيالها بإفناء صفاتها في صفاته والثالث هو فتح لاهوت الذات في مقام السر بكشف حجاب وهمها بإفناء ذاتها في ذاته ومن حصل له هذا النصر والفتح الباطني حصل له النصر والفتح الظاهري أيضاً لأن النصر والفتح من باب الحرمة وعند الوصول إلى نهاية النهايات لا يبقى من السخط أثر أصلاً ويستوعب الظاهر والباطن أثر الرحمة مطلقاً ومن ثمة تفاوت أحوال الكمل بداية ونهاية فظهر من هذا إن كلا من النصر والفتح في الآية ينبغي أن يحمل على ما هو المطلق لكنى اقتفيت أثر أهل التفسير في تقديم ما هو المقيد لكنه قول مرجوح تسامح الله عن قائله ورأيت الناس} أبصرتهم أو علتمهم يعني العرب واللام للعهد أو الاستغراق العرفي جعلوه خطاباً للنبي عليه السلام، بالاستغفار مع إنه لا تقصير له إذ الخطاب لا يخصه فالأمر بالاستغفار لمن سواه وإدخاله في الأمر تغليب ﴿يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ﴾ أي ملة الإسلام التي لا دين يضاف إليه تعالى غيرها والجملة على تقدير الرؤية البصرية حال وعلى تقدير الرؤية القلبية مفعول ثان وقال بعضهم : ومما يحتلج في القلب إن المناسب لقوله يدخلون.
الخ إن يحمل قوله والفتح على فتح باب الدين عليهم ﴿أَفْوَاجًا﴾ حال من فاعل يدخلون أي يدخلون فيه جماعات كثيرة كأهل مكة والطائف واليمن وهو أزن وسائر قبائل العرب وكانوا قبل ذلك يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين روى إنه عليه السلام لما فتح مكة أقبلت الرعب بعضها على بعض فقالوا إذا ظفر بأهل الحرم فلن يقاومه أحد وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ومن كل من أرادهم فكانوا يدخلون في دين الإسلام أفواجاً من غير قتال.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٢٨
قال الكاشفي) : درسال نزول اين سوره تتابع وفود بود ون بني أسد وبني مرة وبني كلب وبني كنانة وبني هلال وغير ايشان ازا اكناف وأطراف بخدست آن حضرت آمده بشرف إسلام مشرف ميشدند.


الصفحة التالية
Icon