تفسير سورة المسد
خمس آيات مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٣١
﴿تَبَّتْ﴾ أي أهلكت فإن التباب الهلاك ومنه قولهم أشابة أم تابة أ هالكة من الهرم والعجز أو خسرت فإن التباب أيضاً خسران يؤدي إلى الهلاك ﴿يَدَآ أَبِى لَهَبٍ﴾ تثنية يد واللهب واللهي اشتعال النار إذا خلص من الدخان أو لهبها لسانها ولهيبها حرها أبو لهب وتسكن الهاء كنية عبد العز بن عبد المطلب لجماله أو لماله كما في "القاموس" يعني إن التكني لإشراق وجنتيه وتلهبهما وإلا فليس له ابن يسمى باللهب وإيثار التباب على الهلاك وإسناده إلى يديه لما روى أنه لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين رقى رسول الله عليه السلام، الصفاء وجمع أقاربه فأنذرهم فقال فقال يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم إن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي قالوا : نعم يعني اكر من شمارا خبر كنم بآنكه در اي اين كوه جمعي آمده اند بداعبه آنكه ير شماشبيخون كرده دست بقتل وغارت بكشايند مرا دران تصديق ميكنيد يانه كفتند را نكنيم وتويش ما بدروغ نعتهم نشده.
قال فإ نذير لم بين يدي الساعة فقال عمه أبو لهب تبا لك يعني هلاكت باد.
ألهذا دعوتنا وأخذ حجراً بيده ليرميه عليه السلام، به فمنعه الله من ذلك حيث لم يستطع أن يرميه فلا كناية في ذكر اليدين ووجه وصف يديه بالهلاك ظاهر وأما
٥٣٢
وصفهما بالخسران فلرد ما أعتقده من نفعه وربحه في أذية رسول الله عليه السلام، ورميه بالحجر وذكر في التأويلات ألما تريدية إنه كان كثير الإحسان إلى رسول الله عليه السلام، وكان يقول إن كان الأمر لمحمد فيكون لي عنده يد وإن كان لقريش فلي عندها يد فأخبر أنها خسرت يده التي كانت عند محمد عليه السلام، بعناده له ويده التي عند قريش أيضاً لخسران قريش وهلاكهم في يد محمد ﴿وَتَبَّ﴾ أي وهلك كله فهو أخبار بعد أخبار والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه وقيل المراد بالأولى هلاك جملته كقوله تعالى :[المسد : ٢]﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ على أن ذكر اليد كناية عن النفس والجملة ومعنى وتب وكان ذلك وحصل ويؤيده قراءة من قرأ وقد تب فإن كلمة قد لا تدخل على الدعاء وقيل كلاهما دعاء عليه بالهلاك والمراد بيان استحقاقه لأن يدعى عليه بالهلاك فإن حقيقة الدعاء شأن العاجز وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته فليست للتكريم أو لكراهة ذكر اسمه القبيح إذ فيه إضافة إلى الصنم أو للتعريض بكونه جهنمياً لأنه سيصلى ناراً ذات لهب يعني إن أبا لهب باعتبار معناه الإضافي يصلح إن بكون كناية عن حاله وهي كونه جهنمياً لأن معناه باعتبار إضافته ملابس اللهب كما أن معنى أبو الخير وأخو الحرب بذلك الاعتبار ملابس الخير والحرب واللهب الحقيقي لهب جهنم وهذا المعنى يلزمه إنه جهنمي ففيه انتقال من الملزوم إلى اللازم فهي كنية تفيد الذم فاندفع ما يقال هذا يخالف قولهم ولا يكنى كافر فاسق ومبتدع إلا لخوف فتنة أو تعريف لأن ذلك خاص بالكنية التي تفيد المدح لا الذم ولم يشتهر بها صاحبها قال في الاتقان ليس في القرآن من الكنى غير أبي لهب ولم يذكر اسمه وهو عبد العزى أي الصنم لأنه حرام شرعاً انتهى.
وفيه الحرام وضع ذلك لا استعماله وفي كلام بعضهم ما يفيدان الاستعمال حرام أيضاً إلا أن يشهر بذلك ما في الأوصاف المنقصة كالأعمش وكان بعد نزول هذه السورة لا يشك المؤمن إنه من أهل النار بخلاف غيره ولم يقل في هذه السورة قل تبت.
الخ لئلا يكون مشافها لعمه بالشتم والتغليظ وإن شتمه عمه لأن للعم حرمة كحرمة الأب لأنه مبعوث رحمة للعالمين وله خلق عظيم فأجاب الله عنه وقرىء أبو لهب بالواو كما قيل علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان مع أن القياس الياء لكونه مضافاً إليه كيلاً يغير منه شيء فيشكل على السامع والحاصل إن الكنية بمنزلة العلم والإعلام لا تتغير في شيء من الأحوال وكان لبعض أمراء مكة ابنان أحدهما عبد الله بالجر والآخر عبد الله بالفتح ما أغنى عن ماله وما كسب} أي لم يغن عنه حين حل به التبات ولم ينفعه أصلاً على أن ما نافية أو أي شيء أغنى عنه على أنها استفهامية في معنى الإنكار منصوبة بما بعدها على إنه مفعول به أو أي أغناء أغنى عنه على أنها مفعول مطلق أصل ماله وما كسبه به من الأرباح والنتائج والمنافع والوجاهة والاتباع ولا أحداً أكثر مالاً من قارون وما دفع عنه الموت والعذاب ولا أعظم ملكاً من سليمان لعيه السلام وقد قيل فيه :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٣٢
نه برباد رفتى سحركاه وشام
سرير سليمان عليه السلام
بآخ نديديكه برباد رفت
خنك آنكه بادانش وداد رفت
أو ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه أو عمله الخبيث الذي هو كيده في عداوة النبي
٥٣٣
عليه السلام، أو عمله الذي ظن إنه منه على شيء كقوله تعالى :﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا﴾ من عمل فجعلناه هباء منثوراً وقال بعضهم : ما كسب منفعة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده.