إذا أسقط من اللحية والرأس نصفين أو أكثر لئلا يسحر به أحد وتولاه لبيد بن أعصم اليهودي وبناته وهن النفاثات في العقد فدفنها في بئر أريس وفي "عين المعاني" في بئر لبني زريق تسمى ذروان فمرض النبي عليه السلام روى إنه لبث فيه ستة أشهر فنزل جبرائيل بالمعوذتين بكسر الواو كما في "القاموس" وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فأرسل عليه السلام علياً والزبير وعماراً رضي الله عنهم، فنزحوا ماء البئر فكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا راعونة البئر وهي الصخرة التي توضع في أسفل البئر فأخرجوا من تحتها الأسنان ومعها وترقد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بلأبر فجاؤوا بها النبي عليه السلام، فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية نحلت عقدة ووجد عليه السلام، خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين فقام عليه السلام، كأنما أنشط من عقال وجعل جبرائيل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل شيء يؤذيك من عين وحاسد فلذا جوز الاسترقاء بما كان من كلام الله وكلام رسوله لا بما كان بالعبرية والسريانية والهندية فإنه لا يحل اعتقاده فقالوا يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث فقال عليه السلام إما أنا فقد عافاني الله وأكره إن أثير على الناس شراً قالت عائشة رضي الله عنها ما غضب النبي عليه السلام، غضباً ينتقم لنفسه قط إلا أن يكون شيئاً هو الله فيغضب الله وينتقم وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها فعلى هذا فالنفاثات هي جنس النساء اللاتي شأنهن أن يغلبن على الرجال ويحولنهم عن آرائهم بأنواع المكر والحيلة فمعنى الآية إن النساء لأجل استقرار حبهن في قلوب الرجال يتصرفن فيهم ويحولنهم من رأي إلى رأي فأمر الله تعالى له رسوله بالتعوذ من شرهن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤١
اعلم أن السحر تخييل لا أصل له عند المعتزلة وعند الشافعي تمريض بما يتصل به كما يخرج من فم المتثائب ويؤثر في المقابل وعندنا سرعة الحركة ولطافة الفعل فيما خفي فهمه وقيل طلسم يبني على تأثير خصائص الكواكب كتأثير الشمس في زئبق عصى سحرة فرعون والمعتزلة أنكروا صحة الرواية المذكورة وتأثير السحر فيه عليه السلام وقالوا كيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول والله يعصمك من الناس وقال ولا يفلح الساحر حيث أتى ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ولأن الكفار كانوا يعيرونه بأنه مسحور فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذكر العيب ومعلوم أن ذلك غير جائز وقال أهل السنة صحة القصة لا تستلزم صدق لكفرة في قولهم إنه مسحور وذلك لأنهم كانوا يريدون بكونه مسحوراً إنه مجنون أزيل عقله بسبب السحر فلذلك ترك دين آبائه فأما أن يكون مسحوراً بألم يجده في بدنه فذلك مما لا ينكره أحد وبالجملة فالله تعالى ما كان يسلط عليه لا شيطاناً ولا أنسياً وجنياً يؤذيه فيما يتعلق بنبوته وعقله وإما الإضرار به من حيث بشريته وبدنه فلا بعد فيه وتأثير السحر فيه عليه السلام، لم يكن من حيث إنه نبي وإنما كان في بدنه من حيث إنه إنسان وبشر فإنه عليه السلام يعرض له من حيث بشريته ما يعرض لسائر البشر من الصحة والمرض والموت والأكل والشرب ودفع الفلات وتأثير السحر فيه من حيث بشريته لا يقدح في نبوته وإنما يكون
٥٤٣