لك الحمد لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه ولم يرد ومالكه وأيضاً فالأسماء المستقلة لها تقدم على الأسماء المضافة واسم الملك ورد مستقلاً بخلاف المالك ومما يؤيد ذلك إن الأسماء المضافة لم تنقل في إحصاء الأسماء الثابتة بالقنل مثل قوله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا وذي المعارج وشبهها وأيضاً فإن الحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالموصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليومالواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل إنه أرجح وقد جوزوا القراءة مالك وملك في سورة الفاتحة لا في هذه السورة حذراً من التكرار فإن أحد معاني الاسم الرب في اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فإن الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك ﴿إِلَـاهِ النَّاسِ﴾ هو لبيان إن ملكه تعالى لسي بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمرو سياستهم والتولي لترتيب مبادي حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي فيم إحياء وإماتة وإيجاداً وإعداماً وأيضاً إن ملك الناس إشارة إلى حال الفناء في الله كم أشرنا إليه وإله الناس لبيان حال البقاء بالله لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد في الله ظهر كونه ملكاً ثم رده الله إلى الوجود لمقام العبودية فتم استعاذته من شر الوسواس لأن الوسوسة تقتضي محلاً وجودياً ولا وجود في حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنانية يقول أعوذ بك منك فلما صار معبوداً بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العباد كما كان أولاً موجوداً بوجوده وأيضاً مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الامام الذي على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهي موضع نظره فإنها ثلاث حضرات اختصت بثلاثة أسماء نالها ثلاثة رجال وهي حضرة الرب والملك والإله فرجالها الأمامان والقطب والأمامان وزيرن للقطب صاحبا لوقت وينفرد القطب بالكشف الذتي المطلق كما ينفرد الامام الذي على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذي لا سبيل للامام الثاني الذي يمينه إليه وإنما أضيف أمام الربوبية للناس وهو ما الملكوتيات لأنه لا بد له عند موت الامام الثاني المسمى بالملك أن يرث مقامه بخلاف غير وفي "الإرشاد" تخصيص الإضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته لأن المستعاذ مكنه شر الشيطان المعروف بعدواتهم ففي التنصيص على انتظامهم في سلك عبوديته تعالى وملزوته رمز إلى إنجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير بالإضافة فإن ما لا شرف فيه لا يعبأ به ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره
هو المسك ما كررته يتضوع
والتضوع بوي خوشض دميدن فلولا إن الناس أشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ﴾ هو اسم بمنى الوسوسة وهو الصوت
٥٤٧
الخفي الذي لا يحس فيحترز منه كالزلزال بمعنى الزلزلة وما المصدر فالبكسر والفرق بين المصدر واسم المصدر هو أن الحدث أن اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدراً وإذا لم يعتبر بهذه الحيثية سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاماً يكرره الموسوس ويؤكده عند من يليه إليه كرر لفظها بإزاء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لأنه يدعو إلى المعصية بكلام خفي يفهمه القلب من غير أن يسمع صوته وذلك بالأغرار بسعة رحمة الله أو بتخييل أن له في عمره سعة وإن وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس.
الخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وإنما وصفه بأعظم فاته وأشدها شراً وأقواها تأثيراً وأعمها فساداً وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطن هو الذي يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام، من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا لا يتمثل بصور الكمل من أمته لأنهم مظاهر الهداية المطلقة.
قال بعض الكبار : الإلقاء إما صحيح أو فاسد.
فالصحيح إلي رباني متعلق بالعلوم والمعارف أو ملكي روحاني وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهاماً.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦


الصفحة التالية
Icon