والفاسد نفساني وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجساً أو شيطاني وهو ما يدعو إلى معصية ويسمى وسواساً وفي آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان إليه ابن آدم في ست مراتب المرتبة الأولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا أول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهي أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها إنها صحيحة فلا يتوب منها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الثالثة وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الرابع هي الصغائر التي إذا اجتمعت أهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الخامسة وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقبا بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه باشتغاله بها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة السادسة وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحتين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام، تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلي في صلاته وقراءته قال أبو عمر والبخاري رحمهما الله، أصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثاني الأمل فأكسره بمفاجأة الأجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد
٥٤٨
فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فأكسره برؤية المنة والعوافي والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالإخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فأكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء ﴿الْخَنَّاسِ﴾ اذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
حكى) إن بعض الأولياء سأل الله تعالى إن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الإنسان في صورة بلور وبين كتفيه خال أسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خروطمه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر الله فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لأنه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب ولهذا السر الإلهي كان عليه السلام، يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرائيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري وسوته مجرى الدم ولذلك كا خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام إشارة إلى عصمته من وسوته لقوله أعانني الله عليه فأسلم أي بالختم الإلهي وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما أسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس إليه لذلك ويجوز أن يدخل الشيطان في الأجسام لأنه جسم لطيف وهو وإن كان مخلوقاً في الأصل من نار لكنه ليس بمحرق لأنه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجاً مخصوصاً كرتكيب الإنسان وفي الوسواس إشارة إلى الوسواس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفي الخناس إلى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتي القوتين فإنها تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتكشكه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع إنه يوفاق العقل في أن الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فإذا وصل العل والوهم إلى النتيجة نكص الوهم وأنكرها ﴿الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ﴾ إذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال في التأويلات النجمية : أي الناسي ذكر الله بالقلب والسر والروح.
كما قال تعالى :[القمر : ٦]﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ بحذف الياء انتهى.
ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس أو النصب أو الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته أولاً ثم ذكر حلها وهو صدور الناس تأمل السر في قوله يوسوس في صدور الناس ولم يقل في قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع في الصدر ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر إلى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد إلقاءه إلى القلب فهو يوسوس في الصدور ووسوسته واصلة إلى القلوب قال بعض أرباب الحقائق للقلب أمراء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس وأمراء خمسة ملكوتية يسمون أرواحاً كالروح الحيواني والروح الخيالي والروح الفكري والروح العقلي والروح القدسي فإذا نفذ الأمر الإلهي إلى أحد
٥٤٩


الصفحة التالية
Icon