هؤلاء الأمراء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فإن عزم الإنسان يخرج كلا منها إلى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله في صدور الناس يدل على إنه لا يوسوس في صدور الجن قال في آكام المرجان لم يرد دليل لعى أن الجني يوسوس في صدور الجني ويدخل فيه كما يدخل في الأنسي ويجري مه مجراه من الأنسي من الجنة والناس} الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذي يوسوس على إنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
﴿شَيَـاطِينَ الانسِ وَالْجِنِّ﴾ والموسوس إليه نوع واحد وهو الإنس فما أر شيطان الجن قد يوسوس تارة وينس أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك وذلك لأنه يلقى الأباطيل ويرى نفسه في وصرة الناصح المشفق فإن زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه قال في الأسئلة المقحمة من دعا غيره إلى الباطل فإن تصوره في قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى : ونعلم ما توسوس به نفسه فإذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فإن حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الأشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن إنهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفي الجنة إشارة إلى القوى الباطنة المستجنة المستورة إذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفي الناس إلى القوى الظاهرة إذ الناس من الإيناس وهو الظهور كما قال آنست ناراً وفي هذا المقام لطيفة بالغة وهي إن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي إنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات وهي الغاسق والنفاثات والحاسد وإما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة ومن المعلوم إن المطلوب كلما كان أهم والرعبة فيه أتم وأكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه أكثر وأوفر والمطلوب في السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا إن في نظم السورتين الكريمتين تنبيهاً على إن سلامة الدين من وسوسة الشيطان وإن كانت أمراً واحداً إلا أنها أعظم مراد وأهم مطلوب وإن سلامة البدن من تلك الآفات وإن كانت أموراً متعددة ليست بتلك المثابة في الاهتمام وفي آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه والشر الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي وعن عائشة رضي الله عنها، قالت كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبد بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يصنع
٥٥٠
ذلك ثلاث مرات وفي قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله اللهم أنفعنا وبارك لنا فيه الحمد رب العالمين واستغفر الله الحي القيوم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
وفي أسئلة عبد الله بن سلام أخبرني يا محمد ما ابتداء القرآن وما ختمه قال بتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفي خريدة العجائب يعني ينبغي أن يقول القارىء ذلك عند الختم وإلا فختم القرآن سورة الناس وفي الابتداء بالباء والاختتام بالسين إشارة إلى لفظ بس.
يعني حسب أي حسبك من الكونين ما أعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سناني رحمه الله.
أول وآخر قران زه باآمد وسين
يعني اندرره دين رهبر تو قرآن بس


الصفحة التالية
Icon