قال القاشاني إذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات المظلمة إلا الجراء على أعمال لامتناع الاستكمال ثمه والاعتذار بالفارسية عذر خواستن.
يقال اعتذرت إلى فلان من جرمي ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقاً وغير محق قال الراغب العذر تحرى الإنسان ما يمحو به ذوبه وذلك ثلاثة اضرب أن يقول لم أفعل أو يقول
٦٠
فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً أو يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة واعتذرت إليه أتيت بعذر وعذرته قبلت عذره ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي بعد ما نهيتم عنها أشد النهي وأمرتم بالإيمان والطاعة فلا عذر لكم قطعاً أي حقيقة وأنهى عن الإتيان بما هو عذر صورة وفي حسبانهم وفي بعض التفاسير لا تعذروا اليوم لما أنه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم وهذا النهي لهم إن كان قبل مجيء الاعتذار منهم فيوافق ظاهر قوله تعالى :﴿وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ وإن كان بعده فيؤول هذا القول ويقال لا يأذن لهم أن يتموا أعتذارهم ولا يسمع إليه وفي التأويلات النجمية : قل للذين ستروا الحق بالباطل وحجبوا عن شهود الحق في الدنيا لا تطلبوا مشاهدة الحق في الآخرة إنما تكافأون بعدم رؤية الحق اليوم لعدم رؤيتكم له في يوم الدنيا كما قال ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧
قال بعض العارفين لا يتحسر يوم القيامة على فوات الأعمال الصالحة إلا العامة أما العارفون فلا يرون لهم عملاً يتحسرون على فواته بل ولا يصح الفوات أبداً إنما هي قسمة عادلة يجب على كل عبد الرى بها وقول الإنسان أنا مقصر في جنب الله هو من باب هضم انفس لا حقيقة إذ لا يقدر أحد أنينقص مما قسم له ذرة ولا يزيد عليه ذرة فلا صح النوم إلا في عمال توهم العبد إنها له ثم فوتها وذلك لا يقوله عارف.
(مصراع) در دائره قسمت من نقطه تسلم يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} التوبة أبلغ وجوه الاعتذار بأن يقول فعلت وأسأت وقد أقلت وفي اشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتى اجتمع هذه الأربعة فقد كملت شرائط التوبة كما في المفردات والنصح تحرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه والنصوح فعول من أبنية المبالغة كقولهم رجل صبور وشكور أي بالغة في النصح وصفت التوبة بذلك على الإسناد المجازي وهو صوف التائبين وهو أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة فيأتوا بها على طريقها وذلك أن يتوبوا من القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لارتكابها عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلا أن يعود اللبن في الضرع وكذا لو حزوا بالسيف وأحرقوا بالنار موطنين أنفسهم لعى ذل بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلاً وعن علي رضي الله عنه إنه سمع أعرابياً يقول اللهم إني استغفرك وأتوب إليك فقال يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين قال وما التوبة قال إن التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة أي القضاء صلاة أو صوماً أو زكاة أو نحوها ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي قال سعدى المفتي : والمذهب السني إنه يكفي في تحقق التوبة الندم والعزم على أن لا يعود بخلاف أهل الاعتزال حيث يلزم في تحققها عندهم رد المظالم وهو عندنا غير واجب في التوبة قال بعض الكبار ما لم تكن التوبة عامة من جميع المخالفات فهي ترك لا توبة وقيل نصوحاً من نصاحة
٦١


الصفحة التالية
Icon