﴿يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لأنه الذي يدور عليه الجزاء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما قال في برهان القرآن إنما كرر ما في أول السورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض وأهل السماء في الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة وكذلك اختلاف ما تسرون وما تعلنون فإنهما ضدان ولم يكرر ما في السموات والأرض لأن الكل بالإضافة إلى علم الله جنس واحد لا يخفى عليه شيء ﴿وَاللَّهُ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي هو محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلاً فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وبالفارسية وخداي تعالى داناست بآنه درسينهاست ازخواطر وأفكار.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢
وإنما قيل لها ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فها ففي الآية ترققٍ من الأظهر إلى وخفى لأنه عالم بما في السموات وما في الأرض وبما يصدر من بني آدم سراً وعلناً وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون في الصدور وإظهار الجلالة للإشعار بعلية الحكم وتأكيداً استقلال الجملة قبل وتقديم القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص ببعض الجهات الظاهرة مثل كون السماء في العلو والأرض في السفل أو الباطنة مثل أن يكون السماء متحركة والأرض ساكنة إلى غير ذلك فإن للمتكلمين مسلكين في إثبات العلم الأول إن فعله تعالى متقن أي محكم خال عن وجوه الخلل ومشتمل على حكمك مصالح متكثرة وكل من فعله متقن فهو عالم والثاني إنه فاعل بالقصد والاختيار لتخصيص بعض الممكنات ببعض الانحاء ولا يتصور ذلك إلا مع العلم وفي قوله ما تسرون إشارة إلى علماء الظاهر من الحكماء والمتكلمين وإلى علومهم الفكرية
النظرية وما يسرون فيها من عقائدهم الفاسدة ومقصادهم الكاسدة وفي قوله وما تعلنون إشارة إلى علماء الباطن من المشايخ والصوفية وإلى معارفهم ومواجيدهم الذوقية الكشفية وما يظهرون منها من الكرامات وخوارق العادات والله عليم بصدور عمل كل واحد من صدور قلوبهم بحسب الرياء والإخلاص والحق والباطل ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ أيها الكفرة والألف للاستفهام ولم للجحد ومعناه التحقيق ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا﴾ أي خبر قوم نوح ومن بعدهم من الأمم المصرة على الكفر ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي قبكلم فيكون متعلقاً بكفروا أو قبل هذا الوقت أو هذا العصيان والمعادات فيكون ظرفاً لألم يأتكم ﴿فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ عطف على كفروا والذوق وإن كان في التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير والوبال الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور والوبل والوابل المطر الثقيل القطار مقابل الطل وهو المطر الخفيف وأمرهم كفرهم فهو واحد الأمور عبر عنه بذلك للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة والمعنى فذاقوا في الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة وأحسوه إحساس الذآئق المعطوم يعني س شيدن كران بارىء خود ودشوارىء سر انجام خويش وضرر كفر وعقوبت اودردنيا بغرق وريح صرصر وعذاب يوم الظلة وأمثال آن.
وفي إيراد الذوق رمز إلى أن ذلك المذوق العاجل شيء حقير بالنسبة إلى ما سيرون من العذاب الآجل ولذلك قال تعالى ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي مؤلم لا يقادر قره وفيه أخبار بأن ما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم وإلا لم يعذبوا في الآخرة بخلاف المؤمنين فإن ماأصابهم في الدنيا من الآلام والأوجاع والمصائب كفارة لذنوبهم على ما ورد في الأخبار الصحيحة ﴿ذَالِكَ﴾ أي ما ذكر من العذاب الذي زاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة ﴿بِأَنَّهُ﴾ أي بسبب إن الشان ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ أي بالمعجزات الظاهرة والباء إما للملابسة أو للتعدية ﴿فَقَالُوا﴾ عطف على كانت ﴿أَبَشَرٌ﴾ آيا آدميان مثل ما ﴿يَهْدُونَنَا﴾ راه نمايند مارا.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢


الصفحة التالية
Icon