أي قال كل قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر وآدمى مثلنا يهدينا ويرشدنا إلى الدين أو إلى الله والتقرب منه كما قالت ثمود ابشرا منا واحداً نتبعه أنكروا أن يكون الرسول بشراً ولم ينكروا أن يكون المعبود حجراً وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام وأريد البشر الجنس، فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَـاتِ وَاعْمَلُوا صَـالِحًا} وارتفاع بشر على أنه فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده فيكون من باب الاشتغال وهو أولى من جعله مبتدأ وما بعده خبراً لأن أداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهراً أو مضمراً قال القاشاني : لما حبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل لعيهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه إلا البشرية أنكروا هدايته فإن كان كل عارف لا يعرف نمعروفه إلا بالمعنى الذي فيه فلا يوجد النور الكمالي، إلا بالنور الفطري ولا يعرف الكمال إلا الكامل ولهذا قيل لا يعرف الله غير الله وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما
وإلا لما أمكنه التوجه نحوه وكذا كل مصدق بشيء فإنه واجد للمعنى المصدق به بما في نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري، أصلاً لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيئا ولم يحدث فيهم طلب حتى يحتاجوا إلى الهداية فأنكروا الهداية، وقال بعض العارفين : معرفة مقام الأولياء أصعب من الممكن من معرفة الله تعالى لأن الله تعالى معروف بكماله وجماله وجلاله وقهره بخلاف الولي الكامل فإنه ملآن من شهود الضعف يأكل ويشرب ويبول مثل غيره من الخلق ولاكرامة له تظهر إلا بأن يناجي ربه وإني للخلق معرفة مقامه ووالله لو كشف للخلق عن حقيقة الولي لعبد كما عبد عيسى عليه السلام ولو كشف لهم عن مشرقات نوره لانطوى نور الشمس والقمر من مشرقات نور قلبه ولكن في ستر الحق تعالى لمقام الولي حكم وأسرار وأدنى ما في الستر أن لاي تعرض أحد لمحاربة الله تعالى إذا آذاهم بعد أن عرفهم إنهم أولياء الله فكان ستر مقامهم عن الخلق رحمة بالخلق وفتحا لباب اعتذار من آذاهم من غالب الخلق فإن الأذى لم يزل من الخلق لهم في كل عصر لجهلهم بمقامهم فكفروا} أي بالرسل بسبب هذا القول لأنهم قالوه استصغاراً لهم ولم يعلموا الحكمة في اختيار كون الرسل بشراً ﴿وَتَوَلَّوا﴾
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢
عن التدبير فيما أتوا به من البينات وعن الإيمان بهم ﴿وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ﴾ أي أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم ولولا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك وقال سعدي المفتي هو حال بتقدير قد وهو بمعنى ني الثلاثي والمراد كمال الغني إذ الطلب يلزمه الكمال ﴿وَاللَّهُ غَنِىٌّ﴾ عن العالمين فضلاً عن إيمانهم وطاعته ﴿حَمِيدٌ﴾ يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على إتصافه بالصفات الكمالية لأ يحمده أولياؤه وإن امتنع أعداؤه والحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال ومن عرف إنه الحميد في ذاته وصفاته وأفعاله شغله ذكره والثناء عليه فإنه العبد وإن كثرت محامده من عقائده وأخلاقه وأفعاله وأقواله فلا يخلو عن مذمة ونقص إلى النبي عليه السلام فإنه محمد وأحمد ومحمود من كل وجه وله المحمدة والكمال في الأربعين الأدريسية يا حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه قال السهرورودي رحمه الله من داومه يحل له من الأموال ما لا يمكن ضبطه ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا﴾ الزعم ادعاء العلمفمعنى أزعم زيداً قائماً أقول إنه كذا ففي تصدير الجملة بقوله ازعم إشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه.
وقوله به ويتعدى إلى مفعولين تعدى العلم وقد قام مقامهما إن المخففة مع ما في حيزها فإن مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله والمراد بالموصول كفار مة أي زعموا وادعوا إن الشان لن يبعثوا بعد موتهم أبداً، ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم وعن شريح رضي الله عنه لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا قال بعض المخضرمين لابنه هب لي من كلامك كلمتين زعم وسوف انتهى ويكره للرجل أن يكثر لفظ الزعم وأمثاله فإنه تحديث بكل ما سمع وكفى بذلك كذباً وإذا أراد أن يتكلم تكلم بما هو محقق لا بما هو مشتبه وبذلك يتخلص من أن يحد بكل ما سمع فيكون معصوماً من الكذب كذا في المقاصد الحسنة ﴿قُلْ﴾ رداً لهم وإبطالاً لزعمهم بإثبات ما نفوه ﴿بَلَى﴾


الصفحة التالية
Icon