﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ عطف على امرأة فرعون وجمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لازوج لها تسلية للأرامل وتطبيباً لأنفسهن وسميت مريم في القرآن باسمها في سبعة مواضع ولم يسم غيرها من النساء لأيها أقامت نفسها في الطاعة كالرجل الكالم ومريم بمعنى العابدة وقد سمى الله أيضاً زيداً في القرآن كما سبق في سورة الأحزاب والمعنى وضرب الله مثلاً للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليهما السلام، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفاراً ﴿الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ الإحصان العفاف يعني باز ايستادن اززشتى كما في تاج المصادر والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والمعنى حفظت فرجها عن مساس الرجال مطلقاً حراماً وحلالاً على آكدا لحفظ وبالفارسية آن زناكه نكاه داشت دامن خود را از حرام.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧
وفاحشه كما في تفسير الكاشفي قال بعضهم : صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون لأنه كان عنيناً وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر فالتعبير عن آسية بالثيب كما مر في ثيبات لكونها في صورة الثيت من حيث إن لها بعلاً وقال السهيلي رحمة الله إحصان الفجر معناه طهارة الثوب يريد فرج القميص أي لم يغلق بثوبها ريبة أي أنها طاهرة الأثواب فكنى بإحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة وفروج القميص أربعة الكمان والأعرى والأسفل فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا لأن القرآن أنزه معنى واو جز لفظاً وألطف إشارة وأحسن عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل انتهى.
قال في الكشاف : ومن بدع التفاسير إن الفرج هو جيب الدرع ومعنى أحصنته منعته ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾ الفاء للسببية والنفخ نفخ الريح في الشيء أي فنفخنا بسبب ذلك في فرجها على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب.
(كما قال الكاشفي) : بس درد ميديم در كريبان جامه أو وكذا السجاوندي في عين المعاني أي فيما انفرج من جيبها وكذا أبو القاسم في الأسئلة لم يقل فيها لأن المراد بالكناية جيب درعها وهو إلى التذكير أقرب فيكون قوله فيه من باب الاستخدام لأن الظاهر إن المراد بلفظ الفرج العضو وأريد بضميره معنى آخر للفرج ومنه
٧٠
قوله تعالى :[الأنبياء : ٩١]﴿عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ﴾ وكذا يكون إسناد النفخ إلى الضمير مجازياً أي نفخ جبريل بأمرنا وهو إنما نفخ في جيب درعها من روحنا} أي من روح خلقناه بلا توسط أصل وأضاف الروح إلى ذاته تعالى تفخيماً لها ولعيسى كقوله وطهر بيتي وفي سورة الأنبياء فنفخنا فيها أي في مريم أي أحبنا عيسى في جوفها من الروح الذي هو من أمرنا وقال بعضهم أحيينا في فرجها وأوجدنا في بطنها ولداً من الروح الذي هو بأمرنا وحده بلا سببية أصل وتوسل نسل على العادة العامة أو من جهة روحنا جبريل لأنه نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها أو ففعلنا النفخ فيه وقرىء فيها على وفاق ما في سورة لأنبياء أي في مريم والمآل واحد انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧


الصفحة التالية
Icon