ومن هذا البيان يعرف سر قول عين العارفين أبي يزيد البسطامي قدس سره إلهي ملكي أعظم من ملكك أي فإن ملك العبد هو القديم وملك الرب هو الحادث فاعرف جداً فإن هذا المقام من مزالق الأقدام ﴿وَهُوَ﴾ تعالى وحده ﴿عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من الأشياء وعلى كل مقدور منا لأنعام والانتقال وغيرهما ﴿قَدِيرٌ﴾ مبالغ في القدرة عليه ومنتهى إلى أقصاها يتصرف فيه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة والجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها مفيدة لجريان أحكام ملكه تعالى في جلائل الأمور ودقائقها قال بعضهم وهو على كل شيء قدير أي ما يمكن أن تتعلق به المشيئة من المعدومات الممكنة لأن لموجود الواجب لا يحتاج في وجوده إلى شيء ويمتنع زواله أزلاً وأبداً والموجود الممكن لإيراد وجوده إذ هو تحصيل الحاصل والمعدوم الممتنع لايمكن وجوده فلا تتعلق به المشيئة فتعلق القدرة بالمعدوم بالإيجاد وبالموجود بالإبقاء والتحويل من حال إلى حال قال القاشاني وهو القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجده على ما يشاء فإن قرينة الدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال إنه مقدور لأنه ممكن.
(وفي التأويلات النجمية) : تعالى وتعاظم في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله الذي بيده المطلقة الملأى السحاء سلطنة الوجود المطلق الفائض على الوجودات المقيدة وهو أي هويته المطلقة ظاهرة في كل شيء قادرة على كل شيء ﴿الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ﴾ شروع في تحصيل بعض أحكام الملكوآثار القدرة والموصول بدل من الموصول الأول فلا وقف على القدير والموت عند أهل السنة صفة وجودية مضادة للحياة كالحرارة والبرودة والحياة صفة وجودية زائدة على نفس لذات مغايرة للعلم والقدرة مصصححة لاتصاف الذات بهما وما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن الموت والحياة جسمان وإن الله خلق الموت على صورة كبش املح لا يمر بشيء ولاي جد رائحته شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مد البصر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء إلا حي وهي التي أخذ السامري من أثرها قبضة فألقاها على العجل فحيي فكلام وارد على سبيل التمثيل والتصوير وإلا فهما في التحفقيق من قبيل الصفات لا من قبي الأعيان هكذا قالوا وجوابه إن كون الموت والحياة صفتين وجوديتين لا ينافي أن يكون لهما صورة محسوسة كالأعيان فإنهما من مخلوقات عالم المكوت ولكل منهما صورة مثالية فيذلك العام بها يرى ويشاهد يشاهده من يغيب عن عالم الملك وينسلخ عن البدن يؤيده قوله
٧٤
عليه السلام :"يذبح الموت بين الجنة والنار" على صورة كبش ولا شك أن الذبح إنما يتعلق بالأعيان وأيضاً عالم الآخرة عالم الصفة يعني إن كل صفة باطنة في الدنيا تتصور بصورة ظاهرة في العقبى حسنة أو قبيحة فلا شيء من المعاني إلا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضي الله عنه محمول على هذا نعم إن قولهم إن الحياة فرس أنثى يخالف قولهم إن البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولا أنثى وقال بعضهم : الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعين إن الموت والحياة من باب العدم والملكة فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية والاضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون ل كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الإحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢


الصفحة التالية
Icon