جمع مصباح وهو السراج وتنكيره للتعظيم والمدح أي بكواكب مضيئة بالليل إضاءة السرج من السيارات والثوابت تترآءى كلها مركوزة في السماء الدنيا مع أن بعضها في سائر السماوات لأن السموات إذا كانت شفافة وأجراماً صافية فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو في السموات أخرى فهي لا بد وإن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح ودخل في المصابيح القمر لأنه أعظم نير يضيء بالليل وإذا جعل الله الكواكب زينة السماء التي هي سقف الدنيا فليجعل العباد المصابيح والقناديل زينة سقوف المساجد والجوامع ولا سرف وفي الخير وذكر إن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم كان ء٥ا جاء العشاء يوقد فيه بسعف النخلقلما قدم تميم الداري رضي الله عنه المدينة صحب معه قناديل وحبالاً وزيتاً وعلق تلك القناديل بسواري المسجد وأو قدرت فقال عليه السلام : نورت مسجدنا نور الله عليك تاماً والله لو كان لي ابنة لأنكحتكها وسماه سراجاً وكان اسمه الأول فتحاً ثم أكثرها عمر رضي الله عنه حين جمع الناس علي أبي بن كعب رضي الله عنه في صلاة التراويح فلما رآها علي رضي الله عنه، تزهر قال : نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب وعن بعضهم قال : أمرني المأمون إن اكتب بالاستكثار من المصابيح في المساجد فلم أدر ما اكتب لأنه شيء لم أسبق إيه فرأيت في المنام اكتب فإن فيه أنساً للمتهجدين ونفيا لبيوت الله عنه وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك وفيه إشارة إلى سماء القلب لدنوه منك من سماء الورح وزينة أنوار المعارف والعلوم الإلهية والورادات الرحمانية ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أي المصابيح المعبر بها عن النجوم أي بعضها كما في تفسير أبي الليث ﴿رُجُومًا﴾ جمع رجم بالفتح وهو ما يرجم به ويرمى للطرد ولزجر أو جمع راجم كسجود جمع ساجد ﴿لِّلشَّيَاطِينِ﴾ هم كفار الجن يخرجون الأنس من النور إلى الظلمات وجمع الشياطين على صيغة التكثير لكثرتهم في الواقع فالمعنى وجعلنا لها فائدة أخرى هي رجم أعدائكم بانقضاض الشهب المقتبسة من الكواكب لا بالكواكب نفسها فإنها قارة في الفلك على حاله فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يفسد عضواً من أعضائه أو عقله والشهاب شعلة ساطعة من نار وهو ههنا شعلة نار تنفصل من النجم فأطلق عليها النجم ولفظ المصباح ولفظ الكوكب ويكون معنى جعلناها رجوماً جعلنا منها رجوماً وهي تلك الشهب ومما يؤيد أن الشعلة منفصلة من النجوم ما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، إن النجوم كلها كالقناديل معلقة في السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد مخلوقة من نور وقيل إنها معلقة بأيدي الملائكة وينصر هذا القول قوله تعالى :[الانفطار : ١-١٢]﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ﴾ لأن انتثارها يكون بموت من كان يحملها من الملائكة وقيل : إن هذه ثقب في السماء وينصره قول بعض المكاشفين إن الكواكب ليست مركوزة في هذا التعين وإنما هي بانعكاس الأنوار في بعض عروقه
٨١
اللطيفة والذي يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع إلى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وإنما يعرفه أهل السلوك انتهى.
وقال الفلاسفة أن الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجو عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك وقد سبق بيان هذا المقام مفصلاً في أوائل الصافات والحجر فلا نعيده والذي يلوح إن مذهب الفلاسفة قريب في هذه المادة من مذهب أهل الحقائق ومر بيان مذهبهم في الصافات والله أعلم بالخفيات واعتد نالهم}
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
أي هيئنا للشيطان في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ومنه العتاد أي العدة والأهبة ﴿عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ أي عذاب جهم الموقدة المشعلة فالسعير فعيل بمعنى مفعلو من سعرت النار إذا أوقدتها ولذلك لم يؤت بالتاء في ره مع آنه اسم للدركة الرابعة من دركات النار السبع وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولكن كل من هذه الأسماء يطلق على الآخر فيعبر عن النار تارة بالسعير وتارة بجهنم وأخرى بآخر.


الصفحة التالية
Icon