يتعلق به الأسرار غالباً فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية ﴿إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ مبالغ في الإحاصة بمضمرات جميع الناس وأسراهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلاً فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور لكون تلك السر آثر عين علمه فيكف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسواها وجعلها مرائي أسراره ولم يقل ذوات الصدور لإرادة الجنس وذات هنا تأنيث ذي بمعنى صاحب حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أي عليم بالمضمرات صاحبة الصدور وهي الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة الصدور بملازمتها لها وحلولها فيها كما يقال للبن ذو الإناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها ﴿أَلا يَعْلَمُ﴾ آيانداند ﴿مَنْ خَلَقَ﴾ أي ألا يعلم السر والجهر من أوجد بحكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها فهو إنكار ونفي لعدم إحاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكونمنصوباً لعى أنه مفعول يعلم والعئاد محذفو أي ألا يعلم الله من خلقه ﴿وَهُوَ﴾
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
أي والحال إنه تعالى وحده ﴿اللَّطِيفُ﴾ العالم بدقائق الأشياء يرى إثر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ﴿الْخَبِيرُ﴾ العالم ببواطنها قال القاشاني هو المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو في الحقيقة باطناً وظاهراً لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهيوة بالعندية والحقيقة بالشخصية فإن قلت : ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فإنه قال الامام الغزالي رحمه الله : إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلاتعالى والخبير هو الذي لا يعب عنه الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيراً قال بعضهم : كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا إلى إبراهيم الخواص قدس سره وقلت في نفسي أباسط الشيخ في أحوالي وأحوال هؤلاء الفقراء فلما وقع بصره على قال لي الحاجة التي جئتني فيها الله عليم بها أم لا فارفعها إليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا إلى المنزل فتح علينا بشي وإذا علم العبد إنه مطلع على سره عليم بخفي ما في صدره يكتفي من سؤاله برفع همته إليه وإحضار حاجته في قلبه من غير أن ينطق بلسانه والله لطيف بعباده ومن لطفه بهم إنه يوصل إليهم ما يحتاجون إليه بسهولة فمن قوته رغيف لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من أول الأمر حتى تم وصلح للأكل من الحارث والباذر للذر والحاصد والد آئس والمذري والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات اتي تتوقف عليها هذه الأعمال من الأخشاب ولحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شيء ينعم به على عبده من مطعوم
٨٧
ومشروب وملبوس فيه مقدمات كثيرة لو احتاج العبد إلى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة في طي كل كثيفة كصيانة الودائع في المواضع المجهولة ألا ترى أنه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة ويرهما من الجواهر والصدف معدن الدلار والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلاً ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد أن يطهره عن لوث التلعق بما سوى الله فإن الله تعالى لطف به بإيجاده ذلك القلب في جوفه وصوف نفسه بأنه لطيف خبير مطلع على ما في الباطن فإذا كان هو المنظر الإلهي وجب تخليته عن الأفكار والأغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والأسرار وتجليته بتجلي الله املك العزيز الغفار بوجوه أسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل الله تعالى نواله وأن يرينا جماله
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢


الصفحة التالية
Icon