وكذا في مختار الصحاح وجعل صاحبا لقاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا عرى عن علامة التأنيث مع أن الأرض مؤنث سماعي ﴿فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا﴾ الفاء لترتيب الأمر على الجعل المذكور وهو أمر إباحة عند بعض أي فاسلكوا في جوانبها وخبر في صورة الأمر عند آخرين أي تمشون في أطرافها من حيث أي منكبي الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب وإذا مشوا وساروا في جوانبها وأطرافها فقد أحاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف ومنه استعير للأرض في قوله فامشوا في مناكبها كاستعارة الظهر لها في قول ما ترك على ظهرها انتهى أو في جبالها وشبهت بالنماكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها أن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزوجها فسال أبا الدرداء رضي الله عنه فقال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية أي تذليل البعير لا مطلقاً كما في حواشي سعدي المفتي فإن منكب البعير أرق أعضائه وأنباها عنأن يطاها الراكب بقدمه فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يتأتى المشي في مناكبها لم يبق منها شيء لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تصخيص المشي في الجبال على تقدير أن يراد بالهماكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد في الحدي إنه تزالق عليه الأرجل ولا تثبت ومنها ما يشق سلوكها وإنما لم تعتبر لندرتها قولتها فوي التأويلات النجمية : هو الذي جعل لكم أرض البشرية ذلولاً منقادة فخذوا من أرضها بقدر الحاجة منأعاليها وأسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية أبدانكم وتهيئة أسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة ﴿وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ والتمسوا من نعم الله تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والأمر إن كان أمر إباحة فالرزق ما يكون حلالاً وإنك ان خبراً في صورة الأمر بمعنى تأكلون فيجوز أن
٨٩
يكون شاملاً للحرام أيضاً فإنه من رزقه أيضاً وإن كان التناول منه حراماً ﴿وَإِلَيْهِ﴾ أي إلى الله وحده ﴿النُّشُورُ﴾ أي المرجع بعد البعث فبالغوا في شكر عمه يقال نشر الله الميت نشراً إحياء بعد موته ونشر الميت بنفسه نشوراً فهو يتعدى ولا يتعدى كرجعه رجعاً ورجع بنفسه رجوعاً إلا أنا الميت يحتى بنفسه بدون إحياء الله إذ هو محال ﴿ءَأَمِنتُم﴾ آيا ايمن شديد اي مكذبان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
وهو استفهام توبيخ فالهمزة الألوى استفهامية والثانية من نفس الكلمة ﴿مِنَ﴾ موصولة ﴿فِى السَّمَآءِ﴾ أي الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم أو الله سبحانه على تأويل من في السماء أمره وقضاؤه وهو كقوله تعالى :[الأنعام : ٣-١٦]﴿وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الأرْضِ﴾ وحقيقته ءامنتم خالق السماء ومالكها قال في الأسئلة خص السماء بالذكر ليعلم إن الأصنام التي في الأرض ليست بآلهة لا لأنه تعالى في جهة من الجهات لأن ذلك من صفات الأجسام وأراد أنه فوق السماء والأرض فوقية القدرة والسلطنة لا فوقية الجهة انتهى.
على أنه لا يلزم من الإيمان بالفوقية الجهة فقد ثبت فانظر ماذا ترى وكن مع أهل السنة من الورى كما في الكبريت الأحمر للإمام الشعراني قدس سره وإما رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كما إن الكعبة قبلة الصلاة وجناب الله تعالى قبلة القلب ويجوز أن تكون الظرفية باعتبار زعم العرب حيث كانوا يزعمون إنه تعالى في السماء أي ءامنتم من تزعمون إنه في السماء وهو متعال عن المكان وفي فتح الرحمن هذا المحل من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ونؤمن به ولا نتعرض لمعناه ونكل العلم فيه إلى الله قوله من في السماء في موضع النصب على أنه مفعول أمنتم أن يخسف بكم الأرض} بعدما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها وتأكلون من رزقه لكفارنكم تلك النعمة أي يقلبها ملتبسة بكم فيغيبكم فيها كما فعل باقرون وهو بدل اشتمال من من أي ءامنتم من في السماء خسفه والباء للملابسة والخسف بزمين فرو بردن.
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٩٠ حتى ص٩٩ رقم١٠
والخسوف بزمين فروشدن.
والمشهور إن الباء في مثل هذا الموضع للتعدية أي يدخلكم ويذهبكم فيها وبالفارسية فرو رد شمارا بزمين.
قال الجوهري خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب في الأرض وخسف الله به الأرض خسفاً غاب به فيها وفي القاموس أيضاً خسف الله بفلان الأرض غيبه فيها ﴿فَإِذَا هِىَ﴾ س آنكاء زمين اس زفرو بردن شمابوى ﴿تَمُورُ﴾ قال في القاموس المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك أي تضطرب ذهاباً ومجيئاً على خلاف ما كانت عليه من الذل والاطمئنان وقال بعضهم فإذا الأرض تدور بكم إلى الأرض السفلى وبعضهم تنكشف تارة للخوض فيها وتلتئم أخرى للتعذيب بها ﴿أَمْ أَمِنتُم﴾ يا ايمن شديد.


الصفحة التالية
Icon