جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
وهو انتقال إلى التهديد بوجه آخر ﴿مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل أي أم أمنتم من في السماء إرساله على أن قوله أن يرسل بدل من من أيضاً والمعنى هل جعل لكم من هذين أمان واذلا امان لكم منهما فمعنى تماديكم في شرككم ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ عن قريب البتة ﴿كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أي انذاري عند مشاهتدكم للمنذر به أهو واقع أم لا أشديد أم ضعيف
٩٠
يعني حين حققتم المنذر به تعلمون إنه لا خلف لخبري وإن عذابي لشديد وإنه لا دفع عنه ولكن لا ينفعكم لعلم حينئذٍ فالنذير وكذا النكير الآتي مصدران بمعنى الإنذار والإنكار وأصلهما نذيري ونكيري بياء الإضافة فحذفت اكتفاء بكسر ما قبلها قال في برهان القرآن خوفهم بالخسف أولاً لكونهم على الأرض وإنها أقرب إليهم من السماء ثم بالحاصب من السماء فلذلك جاء ثانياً.
يقول الفقير أشارت الآية الأولى على ما ألهمت في جوف الليل إلى إن الاستتار تحت اللحاف وعدم النهوض إلى الصلاة والمناجاة وقت السحر عقوبة من الله تعالى على أهل الغفلة كالخسف ولذا لما قام بعض العارفين متهجداً فأخذه البرد وبكى من العرى قيل له من قبل الله تعالى أقمناك وانمناهم فتبكى علينا يعين إن إقامتك وإنامة الغافلين نعمة لك ونقحة لهم فاشكر عليها ولا تجزع من العرى فإن بلاء العرى اهون من بلاء لغفلة واشارت الآية الثانية إلى نزول المطر الشديد من السماء فإه ربما يمنع المتهجد عن القيام والاشتغال بالوضوء والطهارة فيكون غضباً في صورة الرحمة فعلى العاقل أن لا يضيع الوقت ويغتنم الفراغ قبل الشغل أيقظتنا الله وإياكم ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والتفات إلى الغيبة لإبراز الإعراض عنهم ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي إنكاري عليهم بإنزال العذاب أي كان على غاية الهول والفظاعة وهذا مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط وإنكار الله تعالى على عبده إن يفعل به أمراً صعباً وفعلاً هائلاً لا يعرف وفي لآية تسلية للرسول الله صلى الله عليه وسلّم وتهديد لقومه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ أي اغفلوا ولم ينظروا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
﴿إِلَى الطَّيْرِ﴾ فالرؤية بصرية لأنها تتعدى بإلى وإما القلبية فتعديتها بفي والطير يطلق على جنس الطائر وهو كل ذي جناح يسبح في الهواء إما لكون جمعه في الأصل كركب وراكب أو صمدره جعل اسماً لجنسه فباعتبار تكثره في المعنى وصف بصافات وفي المفردات إنه جمع طائر ﴿فَوْقَهُمْ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً ليروا وأن يكون حالاً من الطير أي كائنان حوفهم ﴿صَافَّاتٍ﴾ حال من الطير والصف أن يجعل الشيء على خط مستو كاناس والأشجار ونحو ذلك ومفعلو صافات وكذا يقبضن إنما هو أجنحة الطير لا أنفسها والمعنى باسطات أجنحتهم في الجو عند طير إنها فإنهن إذا بسطتها صففن قوادمها صفا وقوادم الطير مقاديم ريشه وهي شعر في كل جناح الواحدة قادمة ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ويممنها إذا ضربن بما جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو الشر في إيثار يقبضن الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات فإن الطير إن في الهواء كالسباحة في الماء فكما إن الأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها فكذا الأصل في الطيران صف الأجنحة وبسطها والقبض إنما يكون تارة بعد تارة للاستظهار المذكور كما في السابح قال ابن الشيخ ويقبضن عطف على صافات لأنه بمعنى وقابضات وإلا لما عطف الفعل على الاسم ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ في الجو وما يأخذهن عن السقوط عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع الجسماني فإنه يقتضي الهبوط إلى السفل ﴿إِلا الرَّحْمَانُ﴾ الواسع رحمته كل شيء بأن برأهن على أشكال وخصائص وهيأهن للجري في الهواء ﴿إِنَّه بِكُلِّ شَىْءا بَصِيرٌ﴾ يعلم إبداع المبدعات وتدبير العجائب والبصير هو الذي يشاهد
٩١
ويرى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وهو في حقه تعالى عبارة عن الوصف الذي به ينكشف كال نعوت المبصرات فالبصر صفة زائدة على علمه تعالى خلافاً للقدرية فمن عرف هذه الصفة كان المراد به دوام المرقابة ومطالبة النفس بدقيق المحاسة والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢


الصفحة التالية
Icon