قال القاشاني : أفمن يمشي منتكساً بالتوجه إلى الجهة السفلية والمحبة للملاذ الحسية والانجذاب إلى الأمور الطبيعية أهدى اممن يمشي مستوياً منتصباً على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التي لا توصف فالجاهل المحجوب الطالب للدنيا المعرض عن المولى الأعمى عن طريق الحق مكبوب على وجه الخجلة بواسطة ظلمة الغفلة والعارف المحقق التارك للدنيا المقبل على المولى المبصر البصير لطريق الحق ماش سوياً بالظاهر والباطن على طريق التوحيد الذي لا فيه امت ولا عوج ﴿قُلْ﴾ يا أفضل الخلق ﴿هُوَ﴾ تعالى وحده ﴿الَّذِى أَنشَأَكُمْ﴾ أيها الكفار كما دل عليه السباق والسياق ويندج فيه الإنسان الغافل أيضاً أي أنشأكم آنشاء بريعا قابلاً لجمع جميع الحقائق الإلهية والكيانية وابتدأ خلقكم على أحسن خلق بأن صوركم فأحسن صوركم ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ وأعطى لكم الأذن لتسمعوا آيات الله وتعملوا بمو جبها بل لتسمعوا الخطابات الغيبية من ألسنة الموجودات بأسرها فإنها كلها تنطق نطق الإنسان كما قال الله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم قيل لبرز جمهر من أكمل الناس قال من لمي جعل سمعه غرضاً للفحشاء وقدم السمع لأنه شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولاً أصم ولأن فوائد السمع أقوى بالنسبة إلى العوام وإن كانت فوائد البصر أعلى بالنسبة إلى الخواص ولأن السمع مرتبة الخطاب عند انفتاح باب القلب والبصر مرتبة الرؤية ولا شك إن مرتبة الخطاب أقدم بالنسبة إلى مرتبة الرؤية لأن مرتبة الرأية هي مرتبة لتجلى فهي نهاية الأمر ألا ترى أنه لعيه السلام، سمع قبل النبوة صوت إسرافيل ولم ير شخصه وإما بعدها فقد رأى جميع لملائكة وأم لهم ليلة المعراج عند السدرة بل ورأى الله تعالى بلا كيف فترقى من مرتبة الخطاب التي هي مرتبة الوي إلى مرتبة التجلي التي هي مرتبة الموحى
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
﴿وَالابْصَارَ﴾ لتنظيروا بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله تعالى ولتبصروا جميع مظاهره تعالى في غاية الكمال ونهاية الإتقان ﴿وَالافْاِدَةَ﴾ لتتفكر وابها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية وترتقوا في معارج الإيمان والطاعة بل التقبلوا بها الواردت القلبية والإلهامات الغيبية قال في القاموس التقؤد التحرق والتوقد ومنه الفؤاد للقلب مذكر والجمع أفئدة انتهى.
وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن العلوم والمعارف بها تحصل كما في كشف الأسرار ولأن القلب كالحوض حيث ينصب إليه ما حصل من طريق السمع والبصر ﴿قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ﴾
٩٤
أي باستعمالها فيما خلت لأجله من الأمور المذكورة وقليلاً نعت لمحذوف وما مزيدة لتأيد القلة أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم قال سعدى المفتي القلة بمعنى النفي إن كان الخطاب للكفرة أو بمعناها المعروف إن كان للكل يقال قلما افعل كذا أي لا أفعله قال بعضي العارفين :
لو عشت ألف عام
في سجدة لربي
شكر الفضل يوم
لم اقض بالتمام
والعام ألف شهر
والشهر ألف يوم
واليوم ألف حين
والحين ألف عام
قال بعضهم : من وظائف السمع في الشكر التعلم من العلماء والحكماء والإصغاء إلى الموعظة ونصح العقلاء والتقليد لأهل الحق والصواب ورد أقوال أهل البدعة والهوى ومن وظائف الأبصار فيه النظر إلى المصاحف وكتب الدين ومعابد المؤمنين ومسالك المسلمين وإلى وجوه العلماء والصالحين والفقراء والمساكين بعين الرحمة والتفات المحسنين إلى المصوهات ونظر أصحاب اليقين وأرباب الشوق والذوق والحنين إلى غير ذلك مما فيه خير.
زبان آمد از بهر شكر وساس
بغييبت نكر داندش حق شناس
كذركاه قرآن وندست كوش
به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دو شم ازى صنع بارى نكوست
زعيب برادر فروكير ودوست
بهايم خموشنده وكويا بشر
را كنده كوى از بهايم بتر
بنطق است وعقل آدمى زاده فاش
و طوطى سخن كوى رنادان مباش
ببد كفتن خلق ون دم زدى
اكر راست كويى سخن هم بدى
ترا آنكه شم ودهان داد وكوش
اكر عاقلي درخلافش مكوش
مكن كردن ز شكر منعم مي
كه روزسين سر بر آرى بهي
ومن وظائف الأفئدة الفكر في جلال الله وكماله وجماله ونواله والخوف والرجاء منه والمحبة له والاشتياق إلى لقائه والمحبة لأنبيائه وأوليائه والبغض لأعدائه والنظر في المسائل والدلائل والاهتمام في حوائج العيال ونحو ذلك مما فيه فائدة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
صيقلى كن دلت بنور جمال
تاكه حاصل شود جميع كمال


الصفحة التالية
Icon