﴿قُلْ﴾ يا أكمل الخلق ﴿هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأرْضِ﴾ أي حلقكم وكثركم فيها لا غيره من الذرء وهو بالفارسية آفريدن قال في القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين ﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره اشتراكاً أو استقلالاً ﴿تُحْشَرُونَ﴾ حشراً جسمانياً أي تجمعون وتبعثون للحساب والجزاء شيئاً فشيئاً إلى البرزخ دفعة واحدة يوم البعث فابنوا أموركم على ذلك ختم الآية بقوله وإليه تحشرون فبين أن جميع الدلائل المذكورة إنما كان لإثبات هذا المطلوب ﴿وَيَقُولُونَ﴾ من فرط عنادهم واستكبارهم أو بطريق الاستهزاء كما دل عليه هذا في قوله ﴿مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ﴾ أي الحشر الموعود كما ينبىء عنه قوله تعالى :[الملك : ٢٤، ٢٥]﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فالوعد بمعنى الموعود والمشار إليه الحشر وقيل ما حو فوابه من الخسف والحاصب واختيار لفظ المستقبل إما لأن المقصود بيان ما يوجد من الكفار
٩٥
من هذا القول في المستقبل وإما لأن المعنى وكانوا يقولون إن كنتم صادقين} يخاطبون به النبي والمؤمنين حيث كانوا مشاركين له عليه السلام في الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجوبا الشرط محذوف أي إن كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيء الساعة والحشر فبينوا وقته ﴿قُلْ﴾ يا اعلم الخلق ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ﴾ بوقته ﴿عِندَ اللَّهِ﴾ الذي قدر الأشياء ودبر الأمور لا يطلع عليه غيره ﴿وَإِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ مخوف ظاهر بلغة تعرفونها ومظهر للحق كاشف عن الواقع ائذركم وقوع الموعود لام حالة وإما العلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الإنذار قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه أخفى الله علمه في عباده وعن عباده وكل يتبع أمره على جهة الاشتباه لا يعلم ما سبق له وبما ذايختم له وذلك قوله تعالى :[الملك : ٢٦، ٢٧]﴿قُلْ إِنَّمَا﴾.
الخ.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترييب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه أي رؤية بصرية فلما رأوه نزل الأمر الغير الواقع منزلة الواقع التحققه ﴿زُلْفَةً﴾ حال من مفعول رأوا الآن رأى من رؤية البصر كما أشير إليه آنفاً إما بتقدير المضاف أي ذا زلفة وقرب أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفاً وقرب الحشر هو قرب ما دلهم فيه ﴿سِيائَتْ﴾ بد كردد وزشت شود ﴿وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بأن شيتها الكآبة ورهقها القتر والذلة وخص الوجوه بالذكر لأن الوجه هو الذي يظهر عليه أثر المسرة والمساءة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به وأصل الكلام ساءت رؤية الموعود وجوههم فكانت كوجه من يقاد إلى القتل أو يعرض على بعض العذاب والسياءة من ساءه الشيء يسوءه سوأ ومساءة نقيض سره كما في تاج امصادر السوء غمكين كردن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٢
ثم بنى للمفعول وفي القاموس ساءه فلع به ما يكره فيكون متعدياً ويجوز أن يكون لازماً بمعنى قبح ومنه ساء مثلاً وسيء إذا قبح قال بعض المفسرين وأهل اللغة ومنه الآية فالفعل في الحقيقة مسند إلى أصحاب الوجوه بمعنى ساؤا وقبحوا قال بعضهم المحجوبين مع اعترافهم بالإبداء منكرون للإعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه وتعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم ما لا يدخل تحت الوصف ﴿وَقِيلَ﴾ توبيخاً لهم وتشديداف لعذابهم بالنار الروحانية قبل الإحراق بالنار الجسمانية والقائلون الزبانية وإيراد المجحول لكون المراد بيان المقول لا بيان القائل ﴿هَاذَا﴾ مبتدأ أشير به إلى ما رأوه زلفة وخبره قوله ﴿الَّذِى كُنتُم بِه تَدَّعُونَ﴾ أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكاراً واستهزاء على أنه تفتعلون من الدعاء والباء على هذا صلة الفعل يال دعا بكذا إذا استدعاه وقيل هو من الدعوى أي كنتم بسبب ذكر النبي عليه السلام، والمؤمنين العذاب لكم يوم القيامة تدعون إن لا بعث ولا حشر ولا عذاب، فالباء للسببية ويجوز أن تكون للملابسة وعن بعض الزهاد إنه تلاها في أول الليلة في صلاته فبقي يكررها وهو يبكي إلى أن نودي لصلاة الفجر هذه معاملة العارفين بجلال الله مع الله عند ملاحظة جبروته وقهره ﴿قُلْ﴾ يا خير الخلق ﴿أَرَءَيْتُمْ﴾ أي أخبروني خبراً أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية قال بعضهم : لما كانت الرؤية سباً للأخبار عبر بها عنه وقال بعضهم : لما كان الأخبار قوياً بالرؤية شاع أرأيت في معنى أخبر ﴿إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ﴾ أي أماتني
٩٦


الصفحة التالية
Icon