ومن أخلاقه عليه السلام، ما أشار إليه قوله صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك فإنه عليه السلام، ما ر أمته بشيء قبل الائتمار به، وفي الحديث :(إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار)، وروى عن علي بن موسى الرضى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال قال رسول الله : عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة فستبصر ويبصرون} يقال : أبصرته وبصرت ب علمة وأدركته فإن البصر يقال للجارحة الناظرة ولقوة القلب المدركة ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة وفي تاج المصادر الأبصار ديدن بشم وبدل.
فالمعنى فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل وقال القاشاني : فستبصر ويبصرون عند كشف الغطا بالموت، وقال مقاتل : هذا وعيد بعذاب بدر.
(ولذا قال الكاشفي) : بدان وقت كه عذاب نازل شود برايشان معلوم كرددكه ديوانه تومى يا ايشان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
وهو الأوضح ففيه وعد لرسول الله عليه السلام بغلبه الإسلام وأهله وبالانتقام من الاعتداء ﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أي أيكم الذي بتلى بفتنة الجنون فأيكم مبدأ والمفتون بمعنى المجنون خبره والباءم زيدة في المبتدى كما في بحسبك زيد أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر بمعنى الفتون وهو الجنون كالمجلدو بمنى الجلادة والمعقول
١٠٨
بمعنى العقل كما في قوله :(حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحماً ولا لفؤاده معقولاً) والباء للإلصاق نحو به داء أو بأي الفريقين منكم المجنون ابفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم فالباء بمعنى في والمفتون مبتدأ مأخر والأمة داخلة في خطاب فستبصر بالتبعية لا يختص به عليه السلام، كالسوابق وهو تعريض بأبي جهل من هشام الوليد ابن الميغرة وأضرانهما كقوله تعالى :﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الاشِرُ﴾ أصالح عليه السلام قومه إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} تعالى المؤدي إلى سعادة الدارين وهام في تيه الضلال متوجهاً إلى ما يفضيه إلى الشقاوة الأبدية وهذا هو المجنون الذي لا يفرق بين النفع والضر بل يحسب الضر نفعاً فيؤثره وانتفع ضراً فيهجره ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ إلى سبيله الفائزين بكل مطلوب ناجين من كل محذور وهم العقرء المراجيح فيجزى كلا من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب وإعادة هو أعلم لزيادة التقرير وفي الآية لشعار بأن المجنون في الحقيقة هو العاصي لا المطيع وإشارة إلى الضال عن سبيل الوصول إلى حضرة امولى بسبب محبة الدنيا والميل إلى شهواتها والمهتدي إلى طريق التوحيد والوحدة بنور العناية الأزلية والهداية الأبدية قال بعض الكبار وهو أعلم بالمهتدين أي القابلين للتوفيق فهدة البيان هم الرسل وهادى التوفيق هو الحق تعالى فللهادي الذي هو الله الأبانة والتوفيق وليس للهادي الذي هو المخلوق إلا الإبانة خاصة ومن لا علم له بالحقائق بظن إن العبد إذا صدق في الإرشاد والوعظ أثر ذلك القبول في نفوس السامعين وإذا لم يصدق في ذلك لم يؤثر وهذا من الوهم الفاسد فإنه لا أقرب إلى الله ولا أصدق في التبليغ عنه ولا أحب للقبول لما جاء من عند الله تعالى، من الرسل لغلبة لرحمة على قلوبهم ومع ذلك فأعم القبول فيمن سمعهم بل قال الرسول الصادق في التبلغي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فرارا فلما لم يعم القبول مع تحققنا هذه المهمة العظيمة من أكابر أولى العزم من الرسل علمنا أن الهمة مالها أثر جملة واحدة في المدعو وإن الذي قبل من السامعين ليس هو من أثر همة الداعي الهادي الذي هو المبلغ وإنما هو قوة الاستعداد في محل القبول من حيث ما وهبه الله تعالى في خلقه من مزاج يقتضي له قبولاً مثل هذا وأمثاله وهو المزاج الخاص الذي لا يعلمه إلا الله الذي خلقهم عليه وهو قوله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
كفت عالم بكوش جان بشنو
ور نماند بكفتنش كردار
باطلست آنكه مدعى كويد
خفته را خفته كي كند بيدار
مرد بايدكه كيرد اندر كوش
ورنوشته است ند برديوار
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص١٠٩ حتى ص١٢٠ رقم١٢