فلا تطع المكذبين} أي إذا تبين عندك ما تقدم فدم على ما أنت عليه من عدم طاعتهم فيما يدعونك إليه من الكف عنهم يكفو عنك وتصلب في ذلك أمره عليه السلام، بلتشدد مع قومه وقوى قلبه بذلك مع قلة العدد وكثرة الكفار فإن هذه السورة من أوائل ما نزل دلت الآية على أن الإطاعة للعاصي عصيان والافتداء بالطاغي طغيان ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ لو للتمني والإدهان في الأصل مثل التدهين واشتقاقهما من الدهن لكن جعل عبارة عن الملاينة
١٠٩
وترك الجد قال في تاج المصادر الادهان مداهنت كردن.
والتركيب بدل على ليان وسهولة وقلة والمعنى أحبوا لو تلاينهم وتسامحهم في بعض الأمور وترك الدعوة ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ أي فهم يداهنونك حينئذٍ بترك الطعن.
(كما قال الكاشفي) : فرمان مبر مشركان كه راكه ترا بدين آباء دعوت مى نمايند ودوست مى دارندكه تونرمى كنى با يشان وسرزنشى نكنى برشرك تا يشان نير رب ونرمى كنند وبردين توطعنه نزنند.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
فالفاء للعطف على تدهن فيكون يدهنون داخلاً في حيز لو ولذا لم ينصب يدهنون بسقوط النون جواباً للتمني والفعل للاستقبال أو الفاء للسببية فهو مسبب ن تدهن ويجوز أن يكون الفعل للحال على معنى ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعاً في إدهانك فالتسبب عن التمني وتقدير المبتدأ لأنه لولاه لكان الفعل منصوباً لاقتضاء التسب عما في حيز التمني ذلك قال بعضهم لا توافقهم في الظاهر كما لا توافقهمفي الباطن فإن موافقة الظاهر ر موافقة الباطن وكذا المخالفة وإلا كان نفاقاً سريع الزوال ومصانعة وشيكة الانقصاء وإما هم فلانهماكهم في الرذائل وتعمقهم في التلون والاختلاف لتشعب أهوائهم وتفرق أمانيهم يصانعون ويضمون تلك الرذيلة إلى رذيلتهم طمعاً في مداهنتك معهم ومصانعتك إياهم قال بعضهم المداهنة بيع الدين بالدنيا فهي من السيئات والمداراة بيع الدنيا بالدين فهي من الحسنات ويقال الإدهان الملاينة لمن لا ينبغي له ذلك وهو لا ينافي الأمر بالمداراة كما قال عليه السلام :"أمرت بمداراة الناس كما أمرت بالتبليغ" قال الإمام الغزالي رحمه الله : في إحياء الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الأغضاء فإن أغضيت للأمة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بلإغضاء فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن قال أبو الدرداء رضي الله عنه اتالنبش في وجوه اقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وهذا معنى المداراة وهو مع من يخاف شره ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ﴾ كثير الحلف في الحق والباطل لجهله حرمة اليمين وعدم مبالاته من الحنث لسوء عقيدته وتقديم هذا الوصف عى سائر الأوصاف الزاجرة عن الطاعة لكونه أدخل في الزجر قال في الكشاف : وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله تعالى :[البقرة : ٩٠]﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لايْمَـانِكُمْ﴾.
انتهى.
ودخل فيه الحلف بغير الله تعالى فإنه من الكبائر واصل الحلف اليمين الذي يُذ بعضهم من بعض بها الحلف أي العهد ثم عبر به عن كل يمين مهين} حقير الرأي والتدبير لأنه لم يعرف عظمة الله ولذا أقدم على كثرته الحلف من الهانة وهي القلة والحقارة ويجوز أن يراد به الكذاب لأنه حقير عند الناس ﴿هَمَّازٍ﴾ عياب طعان يعني عيب كننده در عقب مردم ا طعنه زننده در روى با يشان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
قال الحسن رحمه الله يلوى شدقيه في أقفية الناس وفيه إشارة إلى من يعيب ويطعن في أهل القح في رياضاتهم ومجاهداتهم انزوائهم وعزلتهم عن الناس وفي الحديث :"لا يكون المؤمن طعاناً ولا لعاناً".
وفي حديث آخر :"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" يعني من ينظر إلى عيب نفسه يكون ذلك مانعاً له عن النظر إلى عيب يره وتعييبه به وذلك لا يقتضي أن لا ينهى العاصي عن معصيته اقتداء بأمر الله تعالى بالنهي عن المنكر لا إعجاباً بنفسه وازدراء لقدر غيره عند الله فامانه العالم
١١٠
ببواطن الأمور والهماز مبالغة هامز والهمز الطعن والضرب والكسر والعيب ومنه المهمز والمهماز بكسر الميم حديدة تطعن با الدابة قيل لأعرابي أتهمز الفارة قال السنور يهمزها واستعير للمغتاب الذي يذكر الناس بالمكروه ويظهر عيوبهم ويكسر إعراضهم كأنه يضربهم بأذاه إياهم مضربه نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم فإن النميم والنميمة السعاية وإظهار الحديث بالوشاية وهو من الكبائر إما نقل الكلام بقصد النصيحة فواجب كما قال من قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليتقلوك فاخرج إني لك من الناصحين وفي التعريفات النمام هو الذي يتحث مع القوم فينم عليهم فيكثف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث وسواء كان الكثف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما وفي الحديث :"لا يدخل الجنة نمام"، أي : ماش بالسعاية وهي بالفارسية غمز كردن.


الصفحة التالية
Icon