قال في الأسرار المحمدية : ذوات السموم تؤثر بكيفاتها الخبيثة الكامنة فيها بالقوة فمتى قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية ومنها ما تشتد كفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما يؤثر في طمس البصر ومنها ما يؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية بل بعضه بالمقابلة والرؤية كما اشتهر عن نوع من الأفاعي ها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فهو من هذا الجنس ولا يستبعد إن تنبعث من عين يعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية تتصل المعين وتتخلل مسام جسمه أي ثقبه كالغم والمنخر الأذن فيتضرر به وإذا كانت النفوس مختلفة في جوتهرها وماهياتها لم يمتنع أيضاً اختلافها في لوزمها وآثارها فلا يستبعد أن يكون لبعض النفوس خاصية التأثير المذكور وبه يحصل الجواب عمن أنكر إصابة العين وقال إنها لا حقيقة لها لأن تأثير الجسم في الجسم لا يعقل إلا بواسطة المماسة ولا مماسة ههنا فامتنع حصول التأثير انتهى وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وبعض النفوس لا تحتاج إلى المقابلة بل يتوجه الروح ونحوه يحصل الضرر فربما يوصف الشيء للأعمى فتؤثر نفسه فيه بالوصف من غير مقابلة ورؤية وإذاقتلت ذوات السموم بعد لسعها خَفَّ أثر لسعها لأن الجسد تكيف بكيفية الاسم وصار قابلاً للانحراف فما دامت حية فإن نفسها تمده بامتزاج الهواء بنفسها وانتشاق الملسوع به قال الجاحظ علماء الفرس والهند وأطباء اليونانيين ودهاة العرب وأهل التجربة من المعتزلة وحذاق المتكلمين كانوا يكرهون الأكل بين يدي السباع يخافون عيونها لما فيها من النهم والشره لما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء وينفصل من عيونها ما إذا خالط الإنسان نقصه وأفسده وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والأشربة على رؤوسهم مخافة العين وكانوا يأمرون أتباعهم قبل أن يأكلوا إن يطردوا الكلب والسنور أو يشغلوه بما يطرح له ومن هذا يعرف بعض أسرار قوله عليه السلام : من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلا بداء لا دواء له وفائدة الرقى الروح إذا تكيفت به وقويت واستعانت بالنفث والتفل قابلت ذلك الأثر الذي حصل من النفوس لخبيتة والخواص الفاسدة فأزالته والحاصل أن الرقية بما ليس بشرك مشروعة لكن التحرز من العين لازم وإنه واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك ويقول تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ومن عرف بإصابة العين منع من مدخلة الناس دفعاً لضرره قال بعض العلماء يأمره الامام بلزوم بيته وإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به معاشه ويكف أذاه عن الناس وقيل ينفي والاحتياط الأمر بلزوم بيته دون الحبس والنفي وبهذا التقير يعرف حال المجذومين ولذا اتخذوا لهم في بعض البلاد مكاناً مخصوصاً بحيث لا يخالطون الناس ولا بشار كونهم في محلاتهم وذكر الجاحظ إن أعجب ما في الدنيا ثلاثة اليوم لا تظهر بالنهار خوفاً أن تصيبها العين لحسنها قال في حياة الحيوان ولما تصور في نفسه إنه أحسن الحيوان لم يظهر إلا بالليل
١٢٩
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
والثاني : الكركي لا يطا الأرض بقدمية بل بإحداهما فإذا وطئها لم يعتمد عليها خوفاً إن تخسف الأرض والثالث الطائر الذي يقعد على سواقي الماء من الأنهار يعرف بمالك الحزين شبيه الكركي لا يشبع من الماء خشية أن يفنى فيموت عطشاً ففي الأول إشارة إلى ذم العجب وفي الثاني إلى مدح الخوف وفي الثالث إلى قدح الحرص فلعتبر العاقل من غير العاقل والسعيد من وعظ بغيره وأخذ الإشارة من كل شي نسأل الله البصيرة التامة بمنه ﴿وَيَقُولُونَ﴾ الغاية حيرتهم في أمره عليه السلام ونهاية جهلهم بما في القرآن من بدائع العلوم ولتنفير الناس عنه وإلا فقد علموا أنه أعقلهم ﴿إِنَّهُ﴾ عليه السلام ﴿لَمَجْنُونٌ﴾ الظاهر أنه مثل قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون.
(وقال الكاشفي) : بدرستى كه اين مرد ديو كرفته يعني با وجنى است كه اورا تعليم ميدهند.
كما قال الوليد ابن المغيرة : معلم مجنون يعني يأتيه رئيي من الجن فيعلمه وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه عليه السلام، رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل ﴿وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَـالَمِينَ﴾ على إنه حال من فاعل يقولون مفيدة لغاية بطلان قولهم وتعجيب للسامعين من جراءتهم على التفوه بتلك العيمة أي يقولون ذلك والحال إن القرآن ذكر للعالمين من الجن والأنس أي تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون إليه منأموردينهم فأين من أنزل عليه ذلك وهو مطلع على أسراره طرا ومحيط بجميع حقائقه خبراً مما قالوا في حقه من الجنون أي إنه من أول الأمور على كمال عقله وعلو شأنه فمن نسب إليه القصور فإنما هو من جهله وجنته فإن الفضل لا يعرفه إلا ذووه.
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة