﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَـامَى﴾ الإقساط العدل والمراد بالخوف العلم عبر عنه بذلك إيذاناً بكون المعلوم مخوفاً محذوراً لا معناه الحقيقي لأن الذي علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه وإلا لم يكن الأمر شاملاً لمن يصبر على الجور ولا يخافه وسبب النزول أنهم كانوا يتزوجون من يحل لهم من اليتامى اللاتي يلونهن لكن لا لرغبة فيهن بل في مالهن
١٦٢
ويسيئون في الصحبة والمعاشرة ويتربصون بهن أن يمتن فيرثوهن وقيل : هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة نسائها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا أن ينكحوا من سواهن من النساء والمعنى إن خفتم أن لا تعدلوا في حق اليتامى إذا تزوجتم بهن بإساءة العشرة أو بنقص الصداق ﴿فَانكِحُوا مَا﴾ موصولة أو موصوفة أوثرت على من ذهاباً بها إلى الوصف أي نكاحاً ﴿طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ أي غير اليتامى بشهادة قرينة المقام أي فانكحوا من استطابتها نفوسكم من الأجنبيات ﴿مَثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ﴾ حال من فاعل طاب أي فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثاً وثلاثاً وأربعاً وأربعاً حسبما تريدون على معنى أن لكل واحد منهم أن يختار أي عدد شاء من الأعداد المذكورة لا أن بعضها لبعض منهم وبعضها لبعض آخر.
﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا﴾ أي فيما بينهن ولو في أقل الأعداد المذكورة كما خفتموه في حق اليتامى أو كما لم تعدلوا فيما فوق هذه الأعداد ﴿فَوَاحِدَةً﴾ فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع بالكلية ﴿أَوْ مَا﴾ ولم يقل من إيذاناً بقصور رتبة الإماء عن رتبة العقلاء ﴿مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ أي من السراري بالغة ما بلغت من مراتب العدد وهو عطف على واحدة على أن اللزوم والاختيار فيه بطريق التسري لا بطريق النكاح كما فيما عطف عليه لاستلزامه ورود ملك النكاح على ملك اليمين بموجب اتحاد المخاطبين في الموضعين وإنما سوي في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين السراري من غير حصر في عدد لقلة تبعيتهن وخفة مؤنهن وعدم وجوب القسم فيهن
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦١
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى اختيار الواحدة ﴿أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ العول الميل من قولهم عال الميزان عولاً إذا مال وعال في الحكم جار والمراد ههنا الميل المحظور المقابل للعدل أي ما ذكر من اختيار الواحدة والتسري أقرب بالنسبة إلى ما عداهما من أن لا يميلوا ميلاً محظوراً لانتفائه رأساً بانتفاء محله في الأول وانتفاء حظره في الثاني بخلاف اختيار العدد في المهائر فإن الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والحظر ﴿وَءَاتُوا النِّسَآءَ﴾ أي اللاتي أمر بنكاحهن ﴿صَدُقَـاتِهِنَّ﴾ جمع صدقة وهي المهر.
﴿نِحْلَةً﴾ فريضة من الله لأنها مما فرضه الله في النحلة أي الملة والشريعة والديانة فانتصابها على الحالية من الصدقات أي أعطوهن مهورهن حال كونها فريضة من الله أو تديناً فانتصابها على أنه مفعول له أي أعطوهن ديانة وشرعة أو هبة وعطية من الله وتفضلاً منه عليهن فانتصابها على الحالية منها أيضاً وعطية من جهة الأزواج من نحله إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلاً والتعبير عن إيتاء المهور بالنحلة مع كونها واجبة على الأزواج لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضى وطيب الخاطر وانتصابها على المصدرية لأن الإيتاء والنحلة بمعنى الإعطاء كأنه قيل وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم فالخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم وكانوا يقولون : هنيئاً لك النافجة لمن يولد له بنت يعنون تأخذ مهرها فتنفج به مالك أي : تعظم ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ﴾ الضمير للصدقات وتذكيره لأجرائه مجرى ذلك فإنه قد يشار به إلى المتعدد واللام متعلقة بالفعل
١٦٣
وكذا عن لكن بتضمينه معنى التجافي والتجاوز ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لشيء أي كائن من الصداق وفيه بعث لهن إلى تقليل الموهوب ﴿نَفْسًا﴾ تمييز والتوحيد لما أن المقصود بيان الجنس أي وهبن لكم شيئاً من الصداق متجافياً عن نفوسهن طيبات غير خبيثات بما يضطرهن إلى البذل من شكاية أخلاقكم وسوء معاشرتكم ﴿فَكُلُوهُ﴾ أي : فخذوا ذلك الشيء الذي طابت به نفوسهن وتصرفوا فيه تملكاً وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية ﴿هَنِياـاًا مَّرِياـاًا﴾ صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه ونصبهما على أنهما صفتان للمصدر أي أكلاً هنيئاً مريئاً وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦١


الصفحة التالية
Icon