﴿وَابْتَلُوا الْيَتَـامَى﴾ أي : واختبروا أيها الأولياء والأوصياء من ليس من اليتامى بين السفه قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في صلاح الدين والاهتداء إلى ضبط المال وحسن التصرف فيه وجربوهم بما يليق بحالهم فإن كانوا من أهل التجارة فبأن تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعاً وابتياعاً وإن كانوا ممن له ضياع وأهل وخدم فبأن تعطوا منه ما يصرفونه إلى نفقة عبيدهم وخدمهم وإجرائهم وسائر مصارفهم حتى يتبين لكم كيفية أحوالهم.
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ بأن يحتلموا لأنهم يصلحون عنده للنكاح.
﴿فَإِنْ ءَانَسْتُم﴾ أي : شاهدتم وتبينتم.
﴿مِّنْهُمْ رُشْدًا﴾ صلاحاً في دينهم واهتداء إلى وجوه التصرفات من غير عجز وتبذير ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ من غير تأخير عن حد البلوغ.
وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز لا يدفع إليه ماله أبداً وبه أخذ أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة ينتظر إلى خمس وعشرين سنة لأن البلوغ بالسن ثماني عشرة فإذا زادت عليها بسبع سنين وهي مدة معتبرة في تغيير أحوال الإنسان لما قال عليه السلام :"مروهم بالصلاة لسبع" دفع إليه ماله أونس منه رشد أولم يونس.
﴿وَلا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا﴾ بغير حق حال أي : مسرفين
١٦٦
وليس فيه إباحة القليل وتحريم الإسراف بل هو بيان أنه إسراف ﴿وَبِدَارًا﴾ أي مبادرين ومسارعين إلى إنفاقها مخافة ﴿أَن يَكْبَرُوا﴾ فتفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن تكبر اليتامى رشداً فينتزعوها من أيدينا ويلزمنا تسليمها إليهم ﴿وَمَن كَانَ غَنِيًّا﴾ من الأولياء والأوصياء فليتنزه عن أكلها وليمتنع وليقنع بما آتاه الله من الغنى والرزق إشفاقاً على اليتيم وإبقاء على ماله واستعفف أبلغ من عف كأنه يطلب زيادة العفة ﴿وَمَن كَانَ﴾ من الأولياء والأوصياء ﴿فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي بما عرف في الشرع بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته وفيه ما يدل على أن للوصي حقاً لقيامه عليها ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦١
بعدما راعيتم الشرائط المذكورة ﴿فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت منها ذممكم لما أن ذلك أبلغ من التهمة وأنفى للخصومة وأدخل في الأمانة وبراءة الساحة وإن لم يكن واجباً عند أصحابنا فإن الوصي مصدق في الدفع مع اليمين وقال مالك والشافعي لا يصدق في دعواه إلا بالبينة ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ﴾ الباء صلة ﴿حَسِيبًا﴾ محاسباً وحافظاً لأعمال خلقه فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم واعلموا أن اللائق للعاقل أن يحترز عن حق الغير خصوصاً اليتيم فإنه يجره إلى نار الجحيم فأكل حقه من الكبائر ومن ابتلى بحق من حقوق العباد فعليه بالاستحلال قبل الانتقال إلى دار السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من كانت عنده مظلمة لأخيه أو شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمة وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه" ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال أرباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص وليسرّ ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص حيث لا يطلع عليه إلا الله فعساه يقربه ذلك إلى الله فينال به لطفه الذي ادخره لأرباب الإيمان في دفع مظالم العباد عنهم بإرضائه إياهم".
قال العلماء : إذا زنى بامرأة ولها زوج فما لم يجعل ذلك الرجل في حل لا يغفر له لأن خصمه الآدمي فإذا تاب وجعله في حل فإن يغفر له ويكتفي بحل منه ولا يذكر الزنى ولكن يقول كل حق لك علي فاجعلني في حل منه ومن كل خصومة بيني وبينك وهذا صلح بالمعلوم على المجهول وذلك جائز كرامة لهذه الأمة لأن الأمم السالفة ما لم يذكروا الذنب لا يغفر لهم وكذا غصب أموال عباد الله وأكلها وضربهم وشتمهم وقتلهم كلها من الحقوق التي يلزم فيها إرضاء الخصماء والتوبة والمبادرة إلى الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة فإذا لم يتب العبد من أمثال هذه ولم يرض خصماءه كان خاسراً خالياً عن العمل عند العرض الأكبر.
تماند ستمكار بد روزكار
بماند برو لعنت ايدار
نان زى كه ذكرت بتحسين كند
ومردى نه بركور نفرين كنند
نبايد برسم بد آيين نهاد
كه كويند لعنت بران كين نهاد
فينبغي للظالم أن يتوب من الظلم ويتحلل من المظلوم في الدنيا فإذا لم يقدر عليه ينبغي أن يستغفر له ويدعو له فإن يرجى أن يحلله بذلك.
وعن فضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : قراءة آية من
١٦٧


الصفحة التالية
Icon