﴿فَلامِّهِ السُّدُسُ﴾ وأما السدس الذي حجبوها عنه فهو للأب عند وجوده ولهم عند عدمه وعليه الجمهور ﴿مِنا بَعْدِ وَصِيَّةٍ﴾ متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها أي : هذه الإنصباء للورثة من بعدما كان من وصية ﴿يُوصِى بِهَآ﴾ الميت وفائدة الوصف الترغيب في الوصية والندب إليها ﴿أَوْ دَيْنٍ﴾ عطف على وصية إلا أنه غير مقيد بما قيدت به من الوصف بل هو متعلق بتناول ما ثبت بالبينة أو الإقرار في الصحة وإنما قال بأو التي للإباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين وقدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها الجميع والدين إنما يكون على الندور ﴿وَأَبْنَآؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً﴾ الخطاب للورثة أي : أصولكم وفروعكم الذين يتوفون لا تدرون أيهم أنفع لكم أمن يوصي ببعض ماله فيعرضكم لثواب الآخرة بتنفيذ وصيته؟ أم من لا يوصي بشيء فيوفر عليكم عرض الدنيا؟ يعني الأول أنفع إن كنتم تحكمون نظراً إلى ظاهر الحال بأنفعية الثاني وذلك لأن ثواب الآخرة لتحقق وصوله إلى صاحبه ودوام تمتعه به مع غاية قصر مدة ما بينهما من الحياة الدنيا أقرب وأحضر وعرض الدنيا لسرعة نفاده وفنائه أبعد وأقصى.
﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾ أي : فرض الله ذلك الميراث فرضاً ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بالخلق ومصالحهم ﴿حَكِيمًا﴾ في كل ما قضى وقدر ودبر.
واعلم أن في هذه الآية تنبيهاً على أن العبد ينبغي أن يجانب الميل إلى جانبي الإفراط والتفريط برأيه وعمله بل يستمسك بالعروة الوثقى التي هي العدالة في الأمور كلها وهو الميزان السوي فيما بين الضعيف والقوي وذلك لا يوجد إلا بمراعاة أمر الله تعالى والمحافظة على الأحكام المقضية الصادرة من العليم بعواقب الأمور الحكيم الذي يضع كل شيء في مرتبته فعليكم بالعدل الذي هو أقرب للتقوى والتجانب عن الجور بين العباد في جميع الأمور خصوصاً فيما بين الأقارب فإن لهم مزيد فضل على الأجانب ولمكانة صلة الرحم عند الله قرن الأرحام باسمه الكريم في قوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِه وَالارْحَامَ﴾ (النساء : ١) فحافظوا على مراعاة حقوق أصولكم وفروعكم وآتوا كل ذي حق حقه فمن حقوق الوالدين على الولد ترك التأفيف والبر والتكلم بقول لطيف.
وفي الخبر يسأل الولد عن الصلاة ثم عن حق الوالدين وتسأل المرأة عن الصلاة ثم عن حق زوجها ويسأل العبد عن الصلاة ثم عن حق المولى ثم إن الحق للوالدة أعظم من الوالد لكونها أكثر زحمة ورحمة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨
ـ روي ـ أن رجلاً قال : يا رسول الله إن أمي هرمت عندي فأطعمها بيدي وأسقيها بيدي وأوضيها وأحملها على عاتقي فهل جازيت حقها؟ قال :"لا ولا واحداً من مائة" قال : ولم يا رسول الله؟ قال :"لأنها خدمتك
١٧٢
في وقت ضعفك مريدة حياتك وأنت تخدمها مريداً مماتها ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً" وجاء رجل إلى النبي عليه السلام ليستشيره في الغزو فقال :"ألك والدة" قال : نعم قال عليه السلام :"فالزمها فإن الجنة تحت رجليها" ذكره في الإحياء قيل فيه ونعم ما قيل :
جنت كه سراي ما درانست
زير قد مات ما درانست
روزي بكن أي : خداي مارا
يزي كه رضاي ما درانست
ويطيع الوالدين فيما أبيح في دين الإسلام وإن كانا مشركين ويهجرهما إن أمراه بشرك أو معصية قال تعالى :﴿وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ (لقمان : ١٥).
ون نبود خويش را ديانت وتقوى
قطع رحم بهترازمودت قربى