مولاك تأتك الدنيا راغمة والآخرة راغبة.
ومن كلامه : من ادعى ثلاثاً بغير ثلاث فهو كذاب، من ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن الدعى محبة الله من غير ورع عن محارم الله فهو كذاب، ومن ادعى محبة النبي عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب وكلما ازداد العبد في عبادة الله وطاعته ازداد قرباً منه وبعداً من كيد الشيطان.
قال السري : سألت معروف الكرخي عن الطائعينبأي شيء قدروا على الطاعة : قال بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة، قال جلال الدين الرومي قدس سره :
بند بكسل باش آزاد أي : ند باشي بند سيم وبند زرهركه از ديدار برخوردار اين جهان درشم أو مردارشد
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز
شم نركس را ازين كركس بدوز ومن أكرمه الله بمعرفة عظمته اضطر إلى كمال طاعته.
ـ حكي ـ أن شاباً من بني إسرائيل رفض دنياه واعتزل الناس وجعل يتعبد في بعض النواحي فخرج إليه رجلان من مشايخ قومه ليرداه إلى منزله فقالا له : يا من أخذت بأمر شديد لا صبر عليه فقال لهما الشاب : قيامي بين يدي الله أشد من هذا فقالا : إن كل أقربائك مشتاق إليك فعبادتك فيهم أفضل فقال الشاب : إن الله تعالى إذا رضي عني يرضى كل قريب وبعيد فقالا له : أنت شاب لا تعلم وإنا جربنا هذا الأخر وإنا نخاف العجب فقال لهما الشاب : من عرف نفسه لم يضره العجب فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال له : قم فإن هذا الشاب وجد ريح الجنة ولا يقبل قولنا.
وعن وهب بن منبه كان داود عليه السلام جعل نوبة عليه وعلى أهله وأولاده ولا تمر ساعة من الليل إلا وهو يصلي ويذكر ففي سره تحرك قلبه بالنظر إلى طاعته وكان بين يديه نهر فانطق الله ضفدعاً فقال : والذي أكرمك بالنبوة إنه منذ خلقني الله تعالى وأنا قائم على رجل ما استرحت مع أني لا أرجو الثواب ولا أخاف العقاب فما عجبك فيه يا داود؟ فعلم أن المحسن هو الذي يعلم أنه مسيىء ولا يعجب بطاعته فلا بد للمؤمن من العمل الصالح ومن الصون عما يبطله من رؤيته وسائر الأمراض الفاسدة ولذلك كان الكبار يختارون الوحدة.
قال الإمام جعفر الصادق وكذا سفيان الثوري : هذا زمان السكوت وملازمة البيوت فقيل لسفيان : إذا لازمنا بيوتنا فمن أين يحصل لنا الرزق؟ قال : اتقوا الله فإن الله يرزق المتقين من غير كسب كما قال تعالى :﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق : ٢ ـ ٣)، قال جلال الدين الرومي :
بردل خودكم نه انديشه معاش
عيش كم نايد توبر دركاه باشس
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
﴿وَالَّـاتِى﴾ جمع التي ﴿يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ﴾ الإتيان الفعل والمباشرة والفاحشة الفعلة القبيحة أريد بها الزنى لزيادة قبحه على كثير من القبائح أي : اللاتي يفعلن الزنى كائنات ﴿مِّن نِّسَآاـاِكُمُ﴾ أي : من زوجاتكم ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ أي : فاطلبوا أن يشهد عليهن بإتيانها أربعة من رجال المؤمنين وأحرارهم ﴿فَإِن شَهِدُوا﴾ عليهن بذلك ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ﴾ فاحبسوهن فيها واجعلوها سجناً عليهن ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ أي يأخذهن الموت ويستوفي أرواحهن.
وفيه تهويل للموت وإبراز له في صورة من يتولى قبض الأرواح أو
١٧٦
يتوفاهن ملائكة الموت ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ أي : طريقاً يخرجن به من الحبس بأن تنكح فإنه مغن عن السفاح أي : الزنى ﴿وَالَّذَانِ﴾ تثنية الذي ﴿يَأْتِيَـانِهَا﴾ أي : الفاحشة ﴿مِنكُمْ﴾ هما الزاني والزانية بطريق التغليب.
قال السدي : أريد بهما البكران منهما كما ينبىء عنه كون عقوبتهما أخف من الحبس المخلد وبذلك يندفع التكرار ﴿فَـاَاذُوهُمَا﴾ فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما الله وذلك بعد الثبوت ﴿فَإِن تَابَا﴾ عما فعلا من الفاحشة بسبب ما لقيا من زواجر الأذية وقوارع التوبيخ ﴿وَأَصْلَحَا﴾ أي : لعملهما وغير الحال ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ﴾ بقطع الأذية والتوبيخ فإن التوبة والإصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا﴾ مبالغاً في قبول التوبة ﴿رَّحِيمًا﴾ واسع الرحمة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦


الصفحة التالية
Icon